مكرّرة (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) تطيّرتم أو توعّدتم (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) في جميع الأمور فلا غرو في ان تعذّبونا بعد ان تذكّرتم بانّا لا نقول الّا الحقّ (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) هو حبيب النّجّار مؤمن آل يس قيل : انّه آمن بمحمّد (ص) وبينهما ستّمائة سنة ، وكان في غار يعبد الله فلمّا بلغه خبر الرّسل أظهر دينه ، وعن النّبىّ (ص) انّه قال : الصّدّيقون ثلاثة : حبيب النّجّار مؤمن آل يس ، وحزقيل مؤمن آل فرعون ، وعلىّ بن أبى طالب (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) فلذلك كانوا احقّاء بالاتّباع لعدم نظرهم الى دنياكم فليس لهم همّ الّا آخرتكم (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) لظهور اهتدائهم من أقوالهم وأفعالهم (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) والفاطر اولى بالعبادة من كلّ معبود (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ومن كان رجوع الخلق اليه آخر الأمر اولى بان يعبد (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) والمعبود لا بدّ وان يدفع عن العابد وان لم يدفع فلا اقلّ ان يشفع عند من يريد به ضرّا (وَلا يُنْقِذُونِ) منه (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أظهر (ع) دينه حيث لا يرى في التّقيّة خير العباد ولا نصر الرّسل (ع) فقال : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) الخطاب للرّسل (ع) أو لأهل القرية مع التّلميح الى بطلان دينهم وحقّيّة دينه (فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) يعنى قالت الملائكة أو الله له بعد قتله بشارة له قبل الدّخول أو إكراما وإعزازا (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) في حديث نصح قومه حيّا وميّتا.
[الجزء الثّالث والعشرون]
(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) كما أنزلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) ما نافية أو موصولة معطوفة على جند اى وما أنزلنا على قومه ما أنزلنا على السّابقين من الأحجار والأمطار والرّياح (إِنْ كانَتْ) أخذتنا (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) صاح بها جبرئيل (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) يا قوم حسرة على العباد أو جعل الحسرة مناداة على عادة العرف (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) تعريض بأمّة محمّد (ص) وتنبيه لهم (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) قد مضى نظير الآية في آخر سورة هود عند قوله : وان كلّا لمّا ليوفّينّهم ربّك أعمالهم (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) وهو دليل على علمنا وقدرتنا واهتمامنا بهم وعدم إهمال شيء بلا غاية وانّ احياءنا لهم ليس الّا لغاية متقنة (وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) عطف على ثمره والضّمير راجع الى المذكور والمراد من ما عملت أيديهم أنواع العصيرات وما يجفّفونه من الثّمار أو ما يصنعونه من مطلق الحبوب والاثمار ، أو لفظة ما نافية والجملة حاليّة (أَفَلا يَشْكُرُونَ) وينبغي ان