يشكروا ويلاحظوا المنعم في تلك النّعم ، ويعظّموه بطلب امره ونهيه وامتثالهما (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) اى أصناف المواليد (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) من أنواع النّبات والأشجار (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) من أصناف المعادن والحيوان الّتى لم يروها ولم يسمعوا بها (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) نزيله مستعار من سلخ الشّاة (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) عن الباقر (ع) يعنى قبض محمّد (ص) وظهرت الظّلمة فلم يبصروا فضل أهل بيته (وَالشَّمْسُ تَجْرِي) مبتدء وخبر ويدلّ على كونها آية ذكر الجملة في ذيل تعداد الآيات أو الشّمس عطف على اللّيل (لِمُسْتَقَرٍّ لَها) اى لمستقرّ لجريها من منطقتها بحيث لا يتجاوزها الى غيرها والّا فلا سكون لها حتّى يكون لها مستقرّ (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) الّذى لا يمنع من إمضاء امره وإرادته مانع (الْعَلِيمِ) الّذى يعلم مصالح كلّ شيء وغاياتها المترتّبة عليه فيوجده مشتملا على تلك المصالح والغايات لعدم المانع له من إيجاده كذلك (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) الثّمانية والعشرين المشهورة المعروفة عند العرب ولذلك لم يذكر من أوضاع الفلك الّا تلك المنازل فانّ العرب كانوا يأخذون احكام النّجوم من تلك المنازل وكون القمر فيها ونظره الى سائر الكواكب فيها (حَتَّى عادَ) بعد انتهاء سيره الى المنزل الاوّل (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) العرجون العثكول من النّخل أو العنب عليه التّمر أو العنب مقصوده تشبيهه في دقّته واعوجاجه بالعرجون اليابس الدّقيق المعوجّ (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) لتباين افلاكهما واختلاف مجاريهما وسرعة سير القمر وبطوء سير الشّمس ، أو المعنى لا الشّمس ينبغي لها ان تفوق القمر فلا تدعه ان يظهر نوره كما انّ شموس الأرواح لا ينبغي لها ان تفوق أقمار النّفوس والمثال فيفنيها (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) فائقها بحيث لم يكن يدع النّهار يظهر ، أو آية اللّيل الّتى هي القمر لا ينبغي لها ان تدرك اية النّهار وهي الشّمس ، أو المعنى ليس وجود اللّيل سابقا على وجود النّهار ، روى عن الأشعث بن حاتم ، قال : كنت بخراسان حيث اجتمع الرّضا (ع) والفضل بن سهل والمأمون بمرو فوضعت المائدة فقال المأمون : انّ رجلا من بنى إسرائيل سأل بالمدينة فقال : النّهار خلق قبل أم اللّيل ، فما عندكم؟ قال : فأداروا الكلام فلم يكن عندهم في ذلك شيء فقال الفضل للرّضا (ع) : أخبرنا بها أصلحك الله ، قال : نعم ، من القرآن أم من الحساب؟ ـ قال الفضل : من جهة الحساب ، فقال : قد علمت يا فضل انّ طالع الدّنيا السّرطان والكواكب في مواضع شرفها فزحل في الميزان والمشترى في سرطان والشّمس في الحمل والقمر في الثّور فذلك يدلّ على كينونة الشّمس في الحمل في العاشر من الطّالع في وسط السّماء فالنّهار خلق قبل اللّيل ، وفي قوله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) اى قد سبقه النّهار (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يعنى كلّ من الشّمس والقمر وسائر أصناف النّجوم في فلك يسبحون ، حمل الجمع على كلّ امّا باعتبار تقدير المضاف اليه أصناف النّجوم ، أو لجعل كلّ من النّجوم جماعات ، فانّ كلّا له نفس ذات جنود ، وجمع العقلاء لكون كلّ ما في السّماء عقلاء ، وعن الصّادق (ع) خلق النّهار قبل اللّيل ، والشّمس قبل القمر ، والأرض قبل السّماء ، وفي خبر : وخلق النّور قبل الظّلمة (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) بأصناف الحيوان أو بأصناف الأجناس ، والذّرّيّة من الذّرّ بمعنى النّشر ، أو من الذّرّ بمعنى الخلق ، أو بمعنى التّكثير تطلق على ولد الرّجل وعلى نسل الثّقلين وعلى النّساء ، يستوي فيها المفرد والجمع وقد تجمع والمراد بها ذرّيّة الموجودين باعتبار حمل آبائهم ولم يقل : حملنا أنفسهم ، لانّ حمل الذّرّيّة يستلزم حملهم فهو يفيد حملهم مع الامتنان عليهم بحمل ذرّيّاتهم ونسائهم ، والمراد بالفلك سفينة نوح (ع) ، أو المراد بالذّرّيّة الآباء لانّها من الذّرء بمعنى الخلق ، والمراد