كان محقّا ، ولا يبعد ان يكون قوله تعالى (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) تلويحا اليه فانّ النّهى عن اتّباع الهوى يشير الى النّهى عن الهوى وميل النّفس الى أحدهما من باب المقدّمة (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وهو الحكم بالحقّ (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) واتّبعوا هوى النّفس (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) هذه من تتمّة خطاب داود (ع) فتكون الجملة حاليّة أو استيناف خطاب لمحمّد (ص) كما يشعر به أخبارنا فتكون معطوفة بلحاظ المعنى كأنّه قال : ما فتنّا داود عبثا انّما فتنّاه لنخلّصه من النّقص الّذى كان فيه وما خلقنا السّماء ، أو تكون حاليّة يعنى لخلق السّماء والأرض غايات عديدة هي مشهودة ومعلومة لكم وهي توليد المواليد ، ولتوليد المواليد أيضا غايات عديدة هي أيضا مشهودة ومعلومة لكم ، وترجع جملتها الى انتفاع الإنسان في معاشه وليس حيوة الإنسان حياته الدّانية غاية الغايات ونهاية النّهايات لفنائها وعدم بقائها ، ولا يكون الفاني الدّاثر غاية للدّائم الباقي فبقي ان يكون حياته الباقية الدّائمة غاية الغايات ونهاية النّهايات حتّى لا يكون خلق الكلّ باطلا ، وعلى هذا لا يكون المؤمن والمفسد ولا المتّقى والفاجر متساويين (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله أو بالرّسالة أو بالخلافة أو بالآخرة (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) المراد بالمتّقين والفجّار هما المؤمنون والمفسدون كرّرهما بتغيير الوصفين تأكيدا وتصريحا بانّ التّقوى لا تكون الّا للمؤمن ، والفجور ليس الّا للمفسد ، سئل الصّادق (ع) عن هذه الآية فقال : الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أمير المؤمنين (ع) وأصحابه كالمفسدين في الأرض قال : حبتر وزريق وأصحابهما ، أم نجعل المتّقين كالفجّار حبتر وزلام وأصحابهما (كِتابٌ) خبر مبتدء محذوف أو مبتدء خبره مبارك أو ليّدبّروا والمعنى انّ القرآن كتاب ، أو علىّ (ع) كتاب (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ) ذو بركة وخير على المتمسّك به والتّفسير بعلىّ (ع) أوفق بقوله ووهبنا لداود سليمان (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) قد مضى مكرّرا انّ الإنسان ما لم يتّصل بالولاية كان بلا لبّ وإذا اتّصل بالولاية بشروطه المقرّرة عندهم صار ذا لبّ فهو بدون الولاية يكون كالجوز الخالي عن اللّبّ ويكون لائقا للنّار وبالولاية تصير كالجوز الّذى يكون له لبّ ، عن الصّادق (ع) ليدّبروا آياته أمير المؤمنين والائمّة (ع) فهم أولوا الألباب (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ) سليمان (ع) (إِنَّهُ أَوَّابٌ) مثل داود (ع) (إِذْ عُرِضَ) ظرف لاوّاب أو لما يلزم قوله نعم العبد من المدح لكنّهما يوجبان تقييد ما المقصود منه الإطلاق أو ظرف لا ذكر مقدّر ، فانّ المقصود من قوله وهبنا تذكيره (ص) بحال سليمان (ع) وتنبيهه على هبة علىّ (ع) له (عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ) الصّافن الفرس الّذى يقوم على طرف سنبك يد أو رجل وهو من الصّفات المحمودة للخيل ، والجياد جمع الجواد بمعنى سريع السّير جيّده (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) أحببت بمعنى تقاعدت فانّ احبّ استعمل بمعنى برك أو من المحبّة والمعنى أحببت نوع حبّ الخير متقاعدا عن ذكر ربّى أو حبّ الخير مفعول به حينئذ وإذا كان أحببت بمعنى تقاعدت يكون حبّ الخير مفعولا له والمراد بالخير الخيل لانّ العرب تسمّى الخيل بالخير ، وعن النّبىّ (ص) انّه قال : الخير معقود بنواصي الخيل الى يوم القيامة ، أو المراد به المال الكثير كما فسّر الخير به في قوله تعالى : ان ترك خيرا (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) اى توارت الشّمس بقرينة الحال وقرينة ذكر العشىّ المستلزم لسير الشّمس ، وقيل : حتّى توارت الخيل عن نظره بالحجاب الّذى لها من مربضها