(فَاتَّبِعُونِي) كما استخلفني عليكم موسى (ع) (وَأَطِيعُوا أَمْرِي) فانّى من جانب هذا الرّحمن أدعوكم وآمركم والمقصود اعتبار مفهوم المخالفة من تعليق الفعل على المفعول الخاصّ بقرينة المقام كأنّه قال : فاتّبعونى لا السّامرىّ وأطيعوا أمري لا امر السّامرىّ (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) اى ثابتين على العجل يعنى على عبادته (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) فننظر انّ هذا هو إلهه كما قال لنا السّامرىّ ، أو ليس هذا إلهه وقد كذب لنا السّامرىّ ، وكان هارون (ع) بعد ما نصحهم ولم يقبلوا منه قد اعتزلهم في اثنى عشر الف فلمّا رجع موسى (ع) وسمع الصّياح منهم إذ كانوا يرقصون حول العجل ويضربون الدّفوف والمزامير واستقبله هارون (ع) القى الألواح من شدّة الغيظ وعاتب هارون وأخذ برأسه ولحيته كما في الآية يجرّه اليه و (قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ) من ان تتّبعنى ولفظة لا مزيدة نظيرة ما منعك ان لا تسجد يعنى ما منعك من اتّباعى في البغض في الله والمقاتلة مع عابدى العجل بعد ان لم يقبلوا نصحك أو من اللّحوق بى والمفارقة عنهم (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) لك بالخلافة والإصلاح وعدم اتّباع سبيل المفسدين ، ولمّا كان موسى (ع) اخذه البغض في الله ولم يكن الباقون قابلين للومه (ع) وعتابه (ع) توجّه الى هارون (ع) وعاتبه على فعل القوم وفي الحقيقة عتابه كان عتابا لهم فانّ لومه (ع) هارون (ع) على عدم مفارقتهم لوم وتعيير لهم على حالهم الّتى تستدعى الخروج من بينهم (قالَ) هارون (ع) (يَا بْنَ أُمَ) كان أخاه لامّه وأبيه لكنّه اضافه الى الامّ استعطافا (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ) ان كنت لحقت بك أو قاتلتهم (فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) يعنى لو كنت فارقتهم أو قاتلتهم لتفرّقوا باللّحوق بى والبقاء على عبادة العجل (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) بالخلافة والإصلاح ، ولمّا سكت عنه الغضب وكسر سورته باستعطاف هارون (ع) والاعتذار عمّا رآه موسى (ع) خلافا اقبل على السّامرىّ و (قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ) اى ما صنعك؟ وكيف صنعته؟ ـ فهو سؤال عن كيفيّة صنعه ولذلك أجابه بها و (قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) من أجزاء الملكوت أو الملك المحكوم بالملكوت (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) يعنى انّى بصرت بجبرئيل وعالمه فقبضت قبضة من عالمه الّذى هو الملكوت من تراب قدم جبرئيل أو من تراب قدم رمكة (١) جبرئيل من عالم الملكوت أو من عالم الملك لكنّه صار بعد التّأثّر بقدم جبرئيل أو قدم رمكته محكوما بحكم الملكوت وكان تأثيره ان يحيى ويتحرّك كلّ ما ذرّ ذلك التّراب عليه (فَنَبَذْتُها) في العجل فتحرّك وخار (وَكَذلِكَ) اى مثل القبض من اثر الرّسول والحال انّه لا ينبغي لي ان اقبض وسوّلت لي نفسي ذلك حتّى قبضتها (سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) في صنع العجل وذرّ التّراب عليه وزينته لي (قالَ) إذا سوّلت لك نفسك (فَاذْهَبْ) من عندي ، أو من ديني ، أو من البلد ، أو من بين النّاس (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ) الدّنيا (أَنْ تَقُولَ) إذا رأيت أحدا من النّاس (لا مِساسَ) عقوبة على فعلك وذلك لانّه إذا ماسّك أحد حممت أنت ومن مسّك كما قيل ، وقيل : كان هذا باقيا في أولاده إذا ماسّ واحدا منهم أحد من النّاس حمّا ، وقيل : انّ موسى (ع) امر النّاس بأمر الله تعالى ان لا يخالطوه ولا يؤانسوه ولا يؤاكلوه تضييقا عليه فصار السّامرىّ يهيم في البرّيّة مع الوحش والسّباع (وَإِنَّ لَكَ) اى لعذابك (مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ) يعنى لن يخلف الله ذلك الوعد لك ، هذا على قراءة البناء للمفعول وامّا على قراءة البناء للفاعل من باب الأفعال فالمعنى لن تخلف أنت ذلك الموعد وتنجزه ، وقرئ بالنّون على حكاية قول الله تعالى ، أو على جعل نفسه (ع) بمنزلة الله تعالى لكونه رسولا منه وكون قوله
__________________
(١) ـ الرّمكة الفرس ـ الأنثى من البراذين.