عن الذّكر ووضع الظّاهر موضع المضمر تصريحا بوصف ذمّ لهم واشعارا بعلّة الحكم ، أو عطف على ساء لهم حملا ، أو على ينفخ في الصّور ، ويكون قوله تعالى (يَوْمَئِذٍ) حينئذ تأكيدا فانّه يكون التّقدير يوم نحشر المجرمين يومئذ (زُرْقاً) اى زرق العيون فانّ الزّرقة أسوء ألوان العين ، أو عميا فانّ الزّرقة تستعمل بمعنى العمى ، وقيل : عطاشا فانّ العطشان يميل لون عينيه الى الزّرقة (يَتَخافَتُونَ) اى يتسارّون والجملة حال مترادفة أو متداخلة أو صفة لزرقا أو مستأنفة اى يقولون سرّا (بَيْنَهُمْ) لشدّة الخوف وعدم قدرة نفوسهم على إجهار الصّوت أو لخوف اطّلاع الحفظة على مكالمتهم لانّهم لا يتكلّمون الّا من اذن له الرّحمن ، أو لشدّة الخوف والدّهشة يظنّون انّ الإجهار يصير سببا لعذاب آخر (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) اى في الدّنيا ، أو في القبور ، أو بين النّفختين ينسون مدّة لبثهم ، أو يقلّلون مدّة لبثهم في تلك المذكورات لطول مدّة عذابهم ، والتّعبير بالعشر للتّقليل لعدم يقينهم بالعشر ولذلك يقول الأمثل منهم : ان لبثتم الّا يوما (نَحْنُ أَعْلَمُ) منهم ومن الحفظة (بِما يَقُولُونَ) بقولهم تخافتوا أو اجهروا ، أو بالّذى يقولونه من تعيين مدّة لبثهم (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ) اى أفضلهم (طَرِيقَةً) سيرة لكونه اعقلهم فانّ السّيرة الفاضلة لا تكون الّا عن العقل الكامل (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) لانّ ايّام الدّنيا وان كانت بالنّظر الى عرض الزّمان متعدّدة متكثّرة وكذلك ايّام القبر والبرزخ والايّام بين النّفختين لكنّها بالنّظر الى ما فوقها في الطّول ليست الّا يوما واحدا ولذلك نسبه الى الأمثل ، لانّ حدود الكثرات ترتفع وتستهلك بالنّظر الى ما فوقها (وَيَسْئَلُونَكَ) عطف على قوله كذلك نقصّ فانّه يشعر بسؤاله (ص) أو سؤالهم عن أنباء ما قد سبق فكأنّه قال : تسأل عن أنباء ما قد سبق ويسألونك (عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ) هو جواب شرط مقدّر أو بتقدير فعل بعد الفاء حتّى لا يلزم عطف الإنشاء على الخبر والتّقدير إذا سألوك فقل أو يسألونك فأقول قل في جوابهم (يَنْسِفُها) يقطعها أو يدكّها فيجعلها كالرّمال تذروها الرّياح (رَبِّي نَسْفاً) عظيما لا يبقى منها اثر ، قيل : انّ رجلا من ثقيف سأل كيف تكون الجبال يوم القيامة فانّه ينبغي ان يسأل عنها خصوصا بعد ما اشتهر بينهم انّ الأرض يوم القيامة تكون مستوية ليس فيها تلال ووهاد (فَيَذَرُها) الضّمير راجع الى الجبال باعتبار محلّها من قبيل الاستخدام ، أو راجع الى الأرض المستفادة بالالتزام (قاعاً) القاع الأرض المطمئنّة السّهلة قد انفرجت عنها الجبال والآكام (صَفْصَفاً) الصّفصف المستوية من الأرض (لا تَرى فِيها عِوَجاً) انحدارا بسبب الوهاد (وَلا أَمْتاً) اى مرتفعا ، والعوج ما انخفض من الأرض ، والأمت ما ارتفع منها (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) الّذى يدعوهم الى الجنّة والجحيم بخلاف يوم الدّنيا فانّه لا يتّبع أكثرهم فيه الدّاعى ومن يتّبع منهم للدّاعى لا يكون اتّباعه أو وجوده أو الدّاعى في نظره الّا معوجّا (لا عِوَجَ لَهُ) الجملة حاليّة أو مستأنفة ، وعلى تقدير الحاليّة فهو حال من الدّاعى أو من فاعل يتّبعون ، والضّمير المجرور امّا للاتّباع أو للدّاعى ولا بدّ من تقدير العائد إذا كان حالا من فاعل يتّبعون أو من الدّاعى ، وكان ضمير المجرور للاتّباع ، فانّ الدّاعى يومئذ لا يكون فيه عوج لا في نفس الأمر ولا في انظارهم ، واتّباعهم يكون غير معوّج والمدعوّون أيضا لا اعوجاج فيهم فانّهم كالاراضى يكونون مستوين برفع جبال الانانيّات عنهم وارتفاع النّفاق عن وجودهم ، فانّه كما يندكّ جبال الأرض الطّبيعيّة يومئذ يرتفع جبال الانانيّات والتّقيّدات عن العالم الصّغير (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ) قد مضى تحقيق معنى الخشوع والفرق بينه وبين الخضوع والتّواضع وانّ الكلّ متقارب المفهوم وانّ الخشوع حالة حاصلة من امتزاج المحبّة وادراك الهيبة بالنّسبة الى من يتخشّع له لكنّ