المحبّة واللّذة في الخشية غالبة ، وفي الخضوع غير غالبة ، وفي التّواضع العظمة والهيبة غالبة ، وقد ينسب الخشوع الى الصّوت لظهوره به وقد ينسب الى البدن لذلك والجملة عطف على قوله لا عوج له أو على يتّبعون الدّاعى والتّفاوت بالاسميّة والفعليّة ، أو بالاستقبال والمضىّ للاشعار بانّ الأصوات كانت خاشعة للرّحمن في الدّنيا كما صارت خاشعة في ذلك اليوم لكن ما كان خشوعها ظاهرا في الدّنيا وفي ذلك اليوم ظهر خشوعها ، أو الجملة حال بتقدير قد (لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) الهمس الصّوت الخفىّ وكلّ خفىّ أو أخفى ما يكون من صوت القدم (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) الجملة مستأنفة جواب لسؤال مقدّر أو حال (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) اى الّا شفاعة من اذن أو لا تنفع الشّفاعة أحدا الّا من اذن في شفاعته أو من أحد الّا ممّن اذن أو لأحد الّا لمن اذن له الرّحمن ، وقد مضى في سورة البقرة وغيرها احتياج الشّفاعة الى الاذن من الله أو من خلفائه المأذونين منه بلا واسطة أو بالواسطة ، وانّ الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر والفتيا للنّاس والقضاوات والمحاكمات وإمامة الجماعة والجمعة وغير ذلك ممّا يرجع الى العلماء كلّها شفاعات ولا تصحّ الّا ممّن اذن له الرّحمن ، والمتصدّى لها من غير اجازة واذن من الله أبغض الخلق الى الله ، أعاذنا الله من شرور نفوسنا (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) الجارّ والمجرور امّا لغو وصلة رضى اى رضى لأجله قولا من الشّافع أو في حقّه قولا من الشّافع ، أو لأجله قولا منه في الشّفاعة ، أو مستقرّ حال من قولا اى رضى قوله سواء كان شافعا أو مشفّعا له ، وتنكير قولا لتغليب جانب الرّجاء يعنى إذا كان الإنسان بحيث يرضى الله منه قولا حقيرا ينفع الشّفاعة في حقّه أو ينفع شفاعته في حقّ الغير (يَعْلَمُ) الله (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) اى ما بين أيدي المتّبعين للدّاعى أو ما بين أيدي من اذن له الرّحمن (وَما خَلْفَهُمْ) من أحوالهم الآتية والماضية ومن الدّنيا والآخرة أو من الآخرة والدّنيا على اختلاف تفسيرهما بالدّنيا والآخرة أو بالآخرة والدّنيا (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ) اى بالله أو بما بين أيديهم وما خلفهم (عِلْماً وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) خضعت أو صارت أسيرا بمعنى انّ صاحبي الوجوه قد ذلّوا وخضعوا لكنّه ادّاه بالوجوه لظهور الاستسلام والانقياد بالوجوه (لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) علّق الفعل على وصف الحيوة والقيّوميّة المطلقة للاشعار بانّ الحيوة المطلقة خاصّة به ، وكذا القيّوميّة المطلقة ، وللاشارة الى علّة الحكم فانّ الحىّ المطلق والحيوة المطلقة تقتضي الاحاطة بجميع أصناف الحيوة الجزئيّة والقيّوميّة تقتضي الاحاطة والتّسخير لجميع ما تقوّم بالمقوّم (وَقَدْ خابَ) عمّا رجاه عباد الله من ثوابه وقربه (مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) عظيما هو جحود الولاية أو الإشراك بها بقرينة قوله في مقابله (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بالايمان الخاصّ والبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة فانّ الايمان العامّ وقبول الدّعوة الظّاهرة لا يتجاوز اثره عن الدّنيا وانّما الثّواب على الايمان الخاصّ وقبول الولاية ، ولا شكّ انّ الخيبة ليست الّا من الثّواب في الآخرة فيكون قوله تعالى (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) مشيرا الى الظّلم والهضم في الآخرة ، والهضم الهجوم ، والهبوط ، والظّلم ، والغصب ، والكسر ، وقرئ فلا يخف مجزوما (وَكَذلِكَ) اى مثل إنزالنا اخبار القيامة والوعيد منها بالقرآن العربىّ (أَنْزَلْناهُ) اى القرآن جملة أو قرآن هذه السّورة (قُرْآناً عَرَبِيًّا) بلغة العرب أو مشتملا على الآداب والعلوم لا عجميّا ولا اعرابيّا لا يكون فيه آداب وعلوم والجملة عطف على جملة عنت الوجوه (وَصَرَّفْنا) كرّرنا (فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) بألفاظ مختلفة ومتوافقة وأمثال متكثّرة متخالفة (لَعَلَّهُمْ) اى المجرمين أو العرب أو النّاس (يَتَّقُونَ) يصيرون صاحبي تقوى أو يتّقون ما يوعدون أو المعاصي