(أَوْ يُحْدِثُ) القرآن العربىّ (لَهُمْ ذِكْراً) اى تذكّر الأمور الآخرة واشتياقا إليها.
اعلم ، انّ الإنسان بل جلّ الحيوان خروجه من القوى الى الفعليّات بل بقاءه في هذه الحيوة ليس الّا بالخوف والرّجاء والتّوبة والانابة والزّكاة والصّلوة والبراءة والولاية والخلع واللّبس والتّصرّم والتّكوّن والأدبار والإقبال والتّخلية والتّحلية والبغض والحبّ والدّفع والجذب والتّقوى والطّاعة وغير ذلك من الأسماء الدّالّة على هذين المعنيين ، فقوله تعالى : لعلّهم يتّقون ، اشارة الى البراءة وقوله تعالى أو يحدث لهم ذكرا اشارة الى الولاية (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) عطف على قوله عنت الوجوه وتفريع عليه والمقصود انّه بقيّوميّته مستعل على كلّ شيء وهو الملك المالك على الإطلاق والحقّ الّذي لا شوب بطلان فيه لاقتضاء القيّوميّة لذلك فلا تسأل منه شيئا فانّه بقيّوميّته وعلوّه يعلم ويعطى كلّ ما ينبغي ان يسأل سئل أم لم يسأل (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) مخصوصا (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) يعنى لا تسأل القرآن قبل ان نوحيه أو يقرءه جبرئيل (ع) فانا اعلم بمصالح نزوله ووقته ، أو لا تعجل بقراءته مع الملك الموحى قبل إتمام الملك قراءته ، أو لا تعجل بقراءته على أصحابك قبل إتيان وقت حكمه أو قبل بيان مجملة (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) بوقت حكم القرآن وبيانه ، أو بتفصيل اجماله أو مطلقا (وَلَقَدْ عَهِدْنا) عطف على قوله كذلك أنزلناه. والمقصود انّا أنزلناه قرآنا عربيّا وصرّفنا فيه من الوعيد لعلّهم يتّقون لكنّهم ينسون لانّا قد عهدنا الى آدم (ع) أبيهم فهو عطف فيه معنى التّعليل أو عطف على لا تعجل باعتبار القسم المقدّر فانّ هذه اللّام هي اللّام المشعرة بالقسم والمعنى لا تعجل بالقرآن ولا تنس العهد والوصيّة الّتى اوحيناك بالتّوانى لانّا قد عهدنا (إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ) اى من قبل هذا الزّمان ، أو من قبل خلق بنى آدم ، أو من قبل نزوله الى الدّنيا (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) فابتلى ببلاء عظيم فلا تنس فتبتلى مثل ابتلائه والمراد بالعزم الثّبات والتّمكّن في الأمر (وَ) اذكر (إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) حتّى تعلم تكريمنا له وابتلاءنا له بسبب النّسيان حتّى تكون على حذر من النّسيان وعدم العزيمة (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) عن السّجود أو عن المطاوعة (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما) يعنى فلا تكونا بحيث تؤثّر وسوسته فيكما فانّ المراد نهيهما لا نهيه (مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) أفرد الضّمير للاشعار بانّ شقاء المرأة وسعادتها تابعتان لشقاء المرء وسعادته ، ولمحافظة رؤس الآي ، أو لانّ المراد بالشّقاء التّعب في طلب المعاش فانّ وسوسته صارت سببا لهبوطهما الى الأرض واحتياجهما الى المأكول والمشروب والملبوس والمسكون ، وتعب ذلك كلّه على الرّجال لا النّساء ويؤيّد هذا المعنى قوله تعالى (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) قرئ أنّك بفتح الهمزة عطفا على ان لا تجوع ، وقرئ انّك بكسر الهمزة عطفا على انّ لك ان لا تجوع ، وقوله انّ لك ان لا تجوع ، استيناف بيانىّ في مقام التّعليل (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) القى اليه وسوسته (قالَ) بيان لوسوسته (يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) اى الشّجرة الّتى صار الاكل منها سببا للخلد فالاضافة لأدنى ملابسة (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) عطف على شجرة الخلد أو على الخلد فقبلا قوله وغرّا به (فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) قد سبق في سورة البقرة عند قوله تعالى (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) تحقيق الشّجرة المنهيّة وكيفيّة اغترارهما بقول إبليس (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) اى يلصقان على بدنهما من ورق أشجار الجنّة (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) خالف امر ربّه امره التّكوينىّ أو امره التّكليفىّ