الّذى كان اولى له (فَغَوى) فضلّ الطّريق الّذى كان بالفطرة عليه.
اعلم ، انّ نسبة العصيان الى آدم (ع) مع انّه كان نبيّا معصوما عن الخطاء انّما كانت بملاحظة انحرافه عن فطرة التّوحيد الّتى كانت الأشياء كلّها مفطورة عليها ، وهذا ليس معصية منافية للعصمة لانّه كان بأمره تعالى ورضاه أو كانت بملاحظة تركه دار التّوحيد وتوجّهه الى الكثرات وقد امره الله تعالى بالبقاء على التّوحيد وعدم الالتفات الى الكثرات لكونه اولى به من الالتفات الى الكثرات وان كان الاولى بنظام العالم وإيجاد بنى آدم توجّهه الى الكثرات ، وتسميته عصيانا لمخالفته الأمر الاولوىّ الّذى كان اولى بالنّسبة الى حاله ، وهذا أيضا لا ينافي عصمته ، وفي خبر : انّ نهيه كان في الجنّة لا في الدّنيا وقبل كونه حجّة لا بعده والمنافى لعصمته هو عصيانه في الدّنيا وبعد كونه حجّة ، وفي خبر : انّ المنافى للعصمة هو الكبيرة أو الصّغيرة بعد كونه حجّة لا الصّغيرة قبل كونه حجّة ، وفي خبر : انّ الله نهى عن قرب شجرة بعينها ووسوس الشّيطان اليه في شجرة اخرى من جنسها ، وعصيانها كان بغروره بقول الشّيطان ، (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) يعنى قبل الاجتباء فانّ توبته كانت في الدّنيا ، وهبوطه إليها كان قبل توبته ، وقد سبق في البقرة هذه الآية هكذا : قلنا اهبطوا منها جميعا بضميمة الشّيطان والحيّة أو الذّريّة إليهما ، ولمّا كانا هما الأصلين في الخطاب خصّهما هاهنا بالخطاب وأشار الى الشّيطان والحيّة أو الذّريّة بقوله (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) بخطاب الجمع (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) الضّلال في الدّنيا والشّقاء في الآخرة ، أو كلاهما في كليهما ، ويكون الشّقاء بمنزلة النّتيجة للضّلال والمراد بالشّقاء ضدّ السّعادة أو العناء والتّعب (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) قد فسّر الهدى في اخبار عديدة بولاية أمير المؤمنين (ع) وبعلىّ (ع) نفسه وهكذا فسّر الذّكر والمراد بالمعيشة الضنّك امّا الضيّق في ما يحتاج اليه في الدّنيا من المأكول والملبوس وغيرهما وبهذا الاعتبار فسّرت بالضّيق في الرّجعة في اخبار كثيرة وانّهم اخبار عديدة بولاية أمير المؤمنين (ع) وبعلىّ (ع) نفسه وهكذا فسّر الذّكر والمراد بالمعيشة الضّنك امّا الضيّق في ما يحتاج اليه في الدّنيا من المأكول والملبوس وغيرهما وبهذا لاعتبار فسّرت بالضّيق في الرّجعة في اخبار كثيرة وانّهم يأكلون العذرة وفسّر في بعض الاخبار بعذاب القبر وضنكه ، والتّحقيق انّ الرّاحة وضعها الله تعالى في الآخرة الّتى قلب الإنسان أنموذج منها ، وسعة العيش والرّاحة للإنسان ليست الّا من طريق القلب الّذى هو طريق الولاية وطريق الآخرة وضيق العيش وعناؤه ليس الّا من الدّنيا الّتى هي أنموذج الجحيم وطريقها ومن أعرض عن الذّكر الّذى هو الولاية الّتى هي طريق القلب وطريق الآخرة توجّه الى الدّنيا الّتى هي طريق الجحيم وفيها العناء والضّيق ، ومن توجّه الى الدّنيا سدّ باب الرّاحة على نفسه وفتح باب الضّيق والتّعب عليها ، وكان في ضيق استشعر به أم لم يستشعر ، ومن تولّى عليّا (ع) وفتح طريق القلب فتح طريق الرّاحة على نفسه فان دخل في باب القلب والآخرة دخل في السّعة والرّاحة ، وان لم يدخل كان في عناء لبقائه بعد في الدّنيا لكنّه كان في طريق الوصول الى الرّاحة وضيق العيش في الدّنيا وضيق الصّدر وضيق القبر وضيق العيش في الرّجعة كلّها لازم لسدّ طريق القلب (وَنَحْشُرُهُ) قرئ بالرّفع وقرئ في الشّواذّ بالجزم (يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) عن الولاية والامام والآيات ونعيم الآخرة (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) قيل يحشر من قبره بصيرا وإذا أتى المحشر يصير أعمى (قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا) العظمى الّتى هم الأنبياء والأولياء (ع) ، وآياتنا الصّغرى الّتى هي آيات الآفاق والأنفس (فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) اى تركتها ولم تتبعها وكذلك اليوم تترك ولا يعتنى بك (وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) في التّوجّه الى الدّنيا زائدا على قدر الواجب والنّدب (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) الّتى هم الأنبياء والأولياء (ع) (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ