رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) لمّا كان الوحي خاصّا بالرّسول والعبادة عامّة له ولامّته أفرد ضمير اليه وخاطب الجميع في الأمر بالعبادة ، ويجوز ان يكون قوله وما أرسلنا عطفا باعتبار المعنى ويكون فيه معنى الاضراب والتّرقّى كأنّه تعالى قال حين قال هاتوا برهانكم هذا ذكر من معى وذكر من قبلي ليس لهم برهان على الاتّخاذ لانّ برهان هذا المطلب ليس الّا الوحي وليس في الوحي اذن وترخيص في اتّخاذ آله سواه بل ما أرسلنا قبلك من رسول الّا نوحى اليه بالتّوحيد وخلع الأنداد لا بالاشراك واتّخاذ الأنداد (وَقالُوا) عطف باعتبار المعنى كأنّه قال : قالوا اتّخذنا آلهة ، أو جعل الله لنا آلهة وقالوا (اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) يعنى القائلين بانّ الملائكة بنات الله والقائلين بانّ عزيرا ابن الله ، والمسيح ابن الله (سُبْحانَهُ) تنزّه تنزّها عن الصّاحبة والولد (بَلْ) الملائكة والمسيح وعزير (عِبادٌ) لله (مُكْرَمُونَ).
اعلم ، انّ الأشياء كما سبق مكرّرا حقائقها وذواتها عبارة عن فعليّاتها الاخيرة ، واسماؤها وأحكامها جارية على تلك الفعليّات ، وانّ الإنسان إذا بايع البيعة الخاصّة الولويّة يحصل له فعليّة هي فعليّته الاخيرة ، وتلك الفعليّة تنعقد بالولاية كانعقاد اللّبن بالانفحة ، وبذلك الانعقاد يحصل له نسبة الى صاحب الولاية والبيعة ويعبّر عن تلك النّسبة بالبنوّة والابوّة وبحكم المنطوق الصّريح من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) ، يصدق على تلك النّسبة انّها نسبة بين العبد وبين الله ، وبهذا الاعتبار قالت اليهود : نحن أبناء الله ، وبهذا الاعتبار وباعتبار انّ النّسبة الجسمانيّة والاضافة المعبّر عنها بالأبوّة والبنوّة كانت منتفية عن المسيح ، وباعتبار انّ بدنه صار محكوما بحكم روحه قالت النّصارى : المسيح ابن الله ولم يقولوا في غيره ذلك ، وهكذا الحال في عزير ، ولمّا كان الاتباع تفوّهوا بهذا القول من غير تحقيق وتحصيل ولم يدركوا من الولادة الّا الولادة الجسمانيّة المستلزمة لمفاسد كثيرة في حقّه تعالى ردّ الله تعالى عليهم واثبت العبديّة لهم لا الولادة والسّنخيّة (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) الباء بمعنى في أو للسّببيّة (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) كان الأوفق بالمعطوف عليه ان يقول ويعملون بامره لكنّه أراد الحصر في المسند اليه وحصر عملهم في كونه بأمره فغيّر الأسلوب (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) المراد بما بين أيديهم كما أسلفنا مكرّرا امّا الدّنيا أو الآخرة (وَما خَلْفَهُمْ) يعلم بالمقايسة وهو جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : هل يعلم الله جهة دنياهم وجهة آخرتهم حتّى يجوز له الأمر فيما يحتاجون اليه في دنياهم وآخرتهم؟ ـ فقال : يعلم ذلك منهم (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) الله طينته فانّ الشّفاعة غير مقصورة على من آمن أو المعنى الّا لمن ارتضى الله ان يشفع له (ص) فيكون في معنى من ذا الّذى يشفع عنده الّا باذنه (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ) لا من غير خشيته (مُشْفِقُونَ) الخشية كما سبق خوف مع ترحّم فانّها حالة ممتزجة من لذّة الوصال والاستشعار بالفراق ، أو الفوات والإشفاق كذلك الّا انّه قد يلاحظ الهيبة في الخشية والاعتناء في الإشفاق والمعنى انّهم لا جهة خوف فيهم سوى جهة الخشية من الله فعلى هذا يكون من للتّعليل ، والتّقديم للحصر ، أو المعنى انّهم لأجل الخشية من الله مشفقون في أهلهم ، أو على خلق الله ، أو المعنى انّهم على خشيته مشفقون يعنى انّهم بواسطة ادراك لذّة الوصال في الجملة في الخشية يحبّون الخشية ويخافون فوتها فيكون لفظ من صلة للاشفاق فانّه قد يتعدّى بعلى إذا لوحظ فيه جهة الترّحّم ، وقد يتعدّى بمن إذا لوحظ فيه معنى الخوف (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) من الخلق أو من العباد المكرمين (إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) ظرف لغو متعلّق بيقل اى من يقل من غير اذنه انّى اله بمعنى المربّى في الطّاعة ولذلك فسّر انّى آله بانّى امام ، أو ظرف مستقرّ صفة لآله ولفظة من للتّبعيض اى آله ثابت بعضا من غيره