ان تكون متجدّدة الحدوث استمرارا بخلاف سائر الأوصاف (أُولئِكَ) العظماء المحضرون باوصافهم العظيمة (هُمُ الْوارِثُونَ) حقيقة لا غيرهم فانّ وراثة غيرهم ان كانت من قبيل وراثة الأموال الصّوريّة أو الدّركات الاخرويّة الجحيميّة لم تكن معدودة من الوراثة ، وان كانت من قبيل وراثة درجات الجنان لم تكن وراثة بل كانت تطفّلا لأولئك العظام فأتى باسم الاشارة البعيدة اشارة الى تفخيمهم وإحضارا لهم باوصافهم الحميدة ، وأتى بضمير الفصل تأكيدا للحكم واشعارا بالحصر ، وتعريف المسند أيضا يفيد الحصر (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) لم يقل هم الوارثون للفردوس لإيهام انّهم هم الوارثون لجميع ما يمكن ان يورّث ليكون أبلغ في مدحهم ، والفردوس يطلق على الاودية الّتى تنبت ضروبا من النّبت ، والبستان الّذى يكون فيه جميع ما يكون في البساتين ، وعلى طبقات الجنان ، وعلى الطّبقة العليا منها ويؤنّث ويذكّر وهو عربيّ أو رومىّ أو سريانىّ معرّب (هُمْ فِيها خالِدُونَ) أتى به اشارة الى تمام النّعمة فانّ تمامها بعدم زوالها.
اعلم ، انّ الإنسان من بدو خلقته الّتى هي خلقة نطفته واولى مادّته وقرارها في قرار مكين يكون بالقوّة في جميع ما يمكن ان يحصل للإنسان وكلّ آن يحصل له فعليّة من فعليّات الانسانيّة الّتى هي فعليّات الولاية ، وكلّ فعليّة تحصل له تكون مرتبة من الولاية التّكوينيّة الّتى هي سارية في جميع الموجودات وبكلّ بعد من مرتبة المادّة وقرب من الولاية يحصل له فعليّة من فعليّات الولاية ويخلع عنه نقص وعدم من اعدام المادّة ، وحصول كلّ فعليّة له نحو وراثة من أبيه الّذى هو الولاية المطلقة الّتى هي المشيّة وهذا الخلع وتلك الوراثة مستمرّ ان له الى أو ان المراهقة وزمان البلوغ وتميز الخير والشّرّ الانسانيّين ، فاذا وصل الى ذلك وقع بين تصرّف الملك والشّيطان وبين النّسبة الى الرّحمن والنّسبة الى الشّيطان بالقوّة فاذا تصرّف فيه الشّيطان صار نسبته اليه بالفعل وكلّما حصل له فعليّة من تصرّف الشّيطان صار تلك الفعليّة ارثا له من الشّيطان ، وكلّما زاد تصرّف الشّيطان اشتدّ فعليّة النّسبة الى الشّيطان واشتدّ بحسبها الفعليّات الحاصلة له من الشّيطان حتّى إذا حصل له جميع الفعليّات المناسبة لدركات النّيران وتمكّن في اتّباع الشّيطان فيصير وارثا لجميع مال الشّيطان وجميع مراتبه بحيث يصير الشّيطان من اجزائه واظلاله ، وإذا تصرّف فيه الرّحمن صار نسبته اليه بالفعل وكلّما حصل له فعليّة من تصرّف الرّحمن صار تلك الفعليّة ارثا له من الرّحمن ، لكن لمّا كان الشّيطان أقرب اليه حين البلوغ من الرّحمن جعل الله وسائط بينه وبين خلقه من الأنبياء والأوصياء (ع) حتّى يكونوا بظاهر بشريّتهم موافقين للعباد ويكون العباد مدركين لهم بمداركهم الحيوانيّة حتّى يأنسوا بهم ويتوسّلوا الى الله بالتّوسّل بهم ويكون الرّسل (ع) وخلفاؤهم معاونين لهم في قبول تصرّف الرّحمن ، فمن توسّل بهم بالبيعة العامّة أو البيعة الخاصّة تعرّض لتصرّف الرّحمن وحصّل النّسبة بينه وبين الرّحمن وبتلك النّسبة يصير ابنا لمن بايع معه البيعة العامّة أو الخاصّة وكلّما حصل له من جهة تلك النّسبة من الفعليّات كان فعليّة الولاية والرّحمن وكان ارثا له من صاحب الولاية المطلقة حتّى حصل له جميع فعليّات الولاية المطلقة من طبقات الجنان ، والفرق بين هذا الإرث والإرث الدّنيوىّ الصّورىّ انّ الإرث الصّورىّ لا يحصل للإنسان ما دام المورّث لم يرفع يده بالموت عن المال الموروث وعن الوارث ، وما لم ينقطع النّسبة بينه وبين الوارث ، وانّ الإرث المعنوىّ لا يحصل للإنسان ما لم يشتدّ النّسبة بينه وبين الوارث وما لم يضع المورّث يده على الوارث وبحسب اشتداد النّسبة وقوّة وضع اليد يكون زيادة الإرث وكثرة المال الموروث وهذا الإرث موجب لسعة المورّث وكثرة ماله بخلاف الإرث الصّورىّ ، ولمّا كان لكلّ إنسان قوّة فعليّة الجحيم والجنان وكان دركات الجحيم ودرجات الجنان الّتى كان للإنسان قوّة الوصول إليها بمنزلة ماله المملوك له بالقوّة ، وإذا وصل الى إحديهما ترك الاخرى ترك الميّت ماله لوارثه ، ورد انّ منازل أهل الجنان في الجحيم