لقد خلقنا ، أو على قوله : أنزلنا من السّماء فانّهما في معنى ان يقال : انّ لكم في خلقكم ، وانّ لكم في إنزال الماء من السّماء لعبرة (نُسْقِيكُمْ) قرئ بضمّ النّون وفتحها والجملة مستأنفة أو حاليّة (مِمَّا فِي بُطُونِها) من الألبان (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) بسبب تسخيرها لكم من الظّهور والاصواف والشّعور والأوبار والتّجمّل بها (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) اى من لحومها وشحومها (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) في البرّ والبحر لمّا كان المراد تعداد النّعم بنحو الاعتبار بها أضاف الى الانعام الفلك (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) لمّا ذكر صنعه في خلق الإنسان وتدبيره لإمكان بقائه ونبّهه على بقائه بعد موته ذكر غاية النّعم وأصلها وأشرفها وهي إرسال الرّسل للهداية الى خير السّبل ليكون بقاؤه أتمّ بقاء وعلى أشرف أنحاء البقاء (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) قرئ غيره بالرّفع والجرّ (أَفَلا تَتَّقُونَ) اى أتعبدون الأصنام فلا تتّقون سخطه (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) يعنى قال الرّؤساء للاتباع (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) يعنى لا فرق بينه وبينكم حتّى يكون مستحقّا للتّفضّل عليكم ويستحقّ الرّسالة دونكم (يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) فيجعلكم اتباعا لنفسه (وَلَوْ شاءَ اللهُ) ان يرسل علينا رسولا (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) للرّسالة (ما سَمِعْنا بِهذا) اى بإرسال رسول من البشر أو بما يدعوننا اليه من التّوحيد (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) حتّى لا نستغرب منه ولا ننكره (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) جنون (فَتَرَبَّصُوا بِهِ) فاحتملوا منه وانتظروا افاقته (حَتَّى حِينٍ قالَ) الرّسول (رَبِّ انْصُرْنِي) عليهم (بِما كَذَّبُونِ فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) بعد دعائه وإجابتنا له وامهالنا لهم مدّة متمادية حتّى رجع عنه من كان داخلا في دينه (أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) جمع العين بمعنى الباصرة أو بمعنى الدّيدبان ، والباء بمعنى في اى اصنعها في حضرة أعيننا ، أو للسّببيّة والمعنى اصنعها بسبب إمداد ملائكتنا ، وعلى الاوّل يكون الظّرف لغوا متعلّقا باصنع أو مستقرّا حالا من المفعول أو الفاعل (وَوَحْيِنا) بتعليمك صنعها (فَإِذا) صنعتها و (جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ) الّذى جعلت فورانه بالماء علامة لإهلاك قومك وغرقهم (فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) قرئ كلّ منوّنا وبالاضافة اى من كلّ نوع من الحيوان مشتمل على الذّكر والأنثى (اثْنَيْنِ) ذكرا وأنثى لئلّا يستأصل النّوع (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) قد سبق الآية في سورة هود (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) لمّا كان المنقطع الفطرة كالعضو الفاسد الّذى يؤذى صاحبه ويفسد ما يجاوره وبقطعه يسلم سائر الأعضاء ويستريح البدن وصار قومه بعد كمال شقاوتهم كالاعضاء الفاسدة وبقطعهم واستيصالهم يستريح الملائكة وخلفاء الله امره تعالى بالحمد على نعمة استيصالهم والّا فنوح (ع) كما كان يجادل الله في دفع العذاب عن قومه كان يحزن على هلاكهم لا انّه كان يشكر على استيصالهم (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي) من السّفينة ومن مقام الحضور والإطلاق الى مقام الغيبة والكثرات (مُنْزَلاً) قرئ من الانزال ومن النّزول وهو مصدر أو اسم مكان أو اسم زمان (مُبارَكاً) بالبركة لي في مالي وأولادي وأعواني (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) قد ورد قراءة هذه الآية وقت النّزول في منزل (إِنَّ فِي ذلِكَ) القصص أو في إرسال نوح (ع) ودعوته وإهلاك قومه (لَآياتٍ) عديدة على المبدء وتوحيده وعلمه وقدرته وتوانيه بالنّسبة الى العاصين من خلقه ورحمته وتدبيره