بثمّ ظاهر (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) جمع الطّريقة بمعنى السّماء لانّ كلّ سماء طريقة ومطارقة اى مطابقة للأخرى ، أو لانّ السّماوات مسير للكواكب أو بمعنى الاخدودة في الأرض شبه الطّريق والمقصود انّكم شاهدتم طبقات الأرض الّتى مررتم عليها من المراتب المذكورة وقد خلقنا فوقكم طبقات السّماء ولا بدّ لكم من المرور عليها قبل الموت أو بعد الموت فأعدّوا أنفسكم للمرور عليها واطلبوا لأنفسكم دليلا للمرور عليها فانّكم بها أجهل منكم بطرق الأرض (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ) اى المخلوق أو إيجاد الخلق (غافِلِينَ) حتّى نهمل ما يحتاج الخلق اليه ولم نخلقه لهم فاطلبوا ما تحتاجون اليه في السّير على طرق السّماء تجدوا (وَأَنْزَلْنا) عطف فيه معنى التّعليل (مِنَ السَّماءِ) اى من جهة العلو أو من السّحاب (ماءً بِقَدَرٍ) بحيث تنتفعون به ولا يفسد أماكنكم ولا زراعاتكم به ولا نمنعكم بحيث لا يحصل ما به معاشكم ومدد حيوتكم فانّه لو كان المطر متتاليا متكاثرا أفسد الابنية والزّروع ، وهكذا القنوات والعيون والسّيول والبحار لو كثرت مياهها بحيث أحاطت بوجه الأرض لافسدت وأهلكت ولو لم يكن ماء أصلا لم تكن حيوة أبدا ، وإنزال الماء بقدر دليل عدم غفلتنا عن الخلق ، ولا يذهب عليك انّ إنزال ماء الحيوة الحيوانيّة والبشريّة من سماء الأرواح وإسكانه في ارض البدن الحيوانىّ والانسانىّ منظور أيضا (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) ليستقى به زراعاتكم وبهائمكم وتنتفعون به في سائر منافعكم (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) فأبقيناه في الأرض ترحّما عليكم (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ) الفاكهة الثّمر بأنواعها رطبها ويابسها (وَمِنْها) اى من الجنّات أو من الفواكه (تَأْكُلُونَ) خصّ الجنّات من بين ما يحصل بسبب الماء ثمّ خصّ من الجنّات النّخيل والأعناب بالذّكر لاعجاب العرب بالجنّات وبالنّخيل والأعناب منها وعدم معرفتهم من الجنّات شيئا تعتدّ به سواها (وَشَجَرَةً) قرئ بالنّصب عطفا على جنّات وبالرّفع خبر مبتدء محذوف اى من المنشئات شجرة ، أو مبتدء خبره تنبت بالدّهن (تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) قرئ بفتح السّين والمدّ وبكسر السّين والمدّ والقصر ، والطّور الجبل أو فناء الدّار والمراد به الجبل الّذى ناجى موسى ربّه فيه ، وسيناء اسم الموضع الّذى به هذا الجبل ، أو اسم حجارة مخصوصة في ذلك الموضع ، وقيل : المراد بالسّيناء الجبل المشجّر يعنى الكثير الشّجر ، وقيل : المراد الجبل الحسن ، وقيل : السّيناء بمعنى البركة ، ومعنى طور سيناء جبل البركة وهو ما بين مصر وايلة ، وقيل : طور سيناء جبل بالشّام ، وفي أخبارنا اشارة الى انّ طور سيناء نجف الكوفة ، وانّه الموضع الّذى فيه مشهد أمير المؤمنين (ع) فعن الباقر (ع) انّه كان في وصيّة أمير المؤمنين (ع) ان أخرجوني الى الظّهر فاذا تصوّبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني فهو اوّل طور سيناء ، وعن الصّادق (ع) : الغرىّ قطعة من الجبل الّذى كلّم الله عليه موسى (ع) تكليما ، وقدّس عليه عيسى (ع) تقديسا ، واتّخذ عليه إبراهيم (ع) خليلا ، واتّخذ محمّدا (ص) حبيبا ، وجعله للنّبيّين مسكنا ، فو الله ما سكن بعد أبويه الطّيّبين آدم ونوح (ع) أكرم من أمير المؤمنين (ع) ، والمراد بالشّجرة الّتى تخرج من طور سيناء شجرة الزّيتون وخصّها بالذّكر لانّها كثيرة النّفع للعرب فانّها (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) قرئ من الثّلاثىّ المجرّد وحينئذ يكون الباء للتّعدية أو للمصاحبة ، وقرئ تنبت من الإنبات بمعنى النّبت أو متعدّيا ، ويكون المفعول محذوفا اى تنبت الثّمر بالدّهن (وَصِبْغٍ) اى ادام فانّ ثمرها ادام (لِلْآكِلِينَ) قيل : المراد شجرة الزّيتون وهو مثل رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) فالطّور الجبل والسّيناء الشّجرة (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) اعتبارا واستدلالا على عنايته تعالى بكم وكمال حكمته وقدرته والجملة معطوفة على قوله :