جمع الاحدوثة أو جمع الاحداث جمع الحديث ، أو جمع الحديث ابتداء مع شذوذ وحمل الأحاديث عليهم إذا كانت جمع الحديث للمبالغة في استيصالهم كأنّهم لم يبق منهم في النّاس الّا حديثهم (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) مضى نظيره قبيل هذا (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا) التّسع أو بمعجزاتنا أو بأحكامنا (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) ظاهر أو مظهر والمراد بالسّلطان عصاه أو برهانه القولىّ أو سلطنته على قهر الأعداء (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) اى قومه مطلقا أو خواصّه (فَاسْتَكْبَرُوا) عن موسى (ع) وقبول دينه (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) بحسب الدّنيا بسبب غلبتهم على أهل أرضهم وعلوّهم على من كان في مصر (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) يعنى ليس لهما فضل بأنفسهما ولا بقومهما والعاقل لا يفضّل من لا جهة فضل فيه بل لنا عليهما الفضل باستعباد قومهما لانّ القبطىّ كانوا يستعبدون السّبطىّ في الأعمال أو لانّ السّبطىّ كانوا يعبدون فرعون مثل القبطىّ (فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا) بعد التّكذيب بلا فرجة (مِنَ الْمُهْلَكِينَ) عن الحيوة الانسانيّة دون الحيوانيّة أو صاروا من المهلكين بالاغراق لكن بعد حين ، والإتيان بالفاء لانّ الفاء في كلّ شيء بحسبه والإهلاك المتعقّب للرّسالة بلا فرجة ان تتمّ الرّسالة واحتجاجاتها (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) كتاب النّبوّة وأحكامها أو التّوراة (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) اى لعلّ قومه أو لعلّ فرعون وقومه وهذا يوافق تفسير الكتاب بالنّبوّة وأحكامها (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) فانّ مريم (ع) كانت من اوّل بلوغها آية لله لانّها كانت متعبّدة غير ملتفتة الى الدّنيا وملاذّها ، يأتيها رزقها من الله يأتيها فاكهة الصّيف في الشّتاء وفاكهة الشّتاء في الصّيف وحملت من غير مسيس بشر ، وكان مدّة حملها اقصر مدّة ، ساعة أو أكثر بيسير ، فانّها لم يظهر على أحد انّها كانت حاملة وحملت من غير زوال بكارتها وكون عيسى (ع) آية لا حاجة فيه الى التّفصيل (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) مكان مرتفع ، وقرئ الرّبوة بضمّ الرّاء وفتحها ، وقرئ رباوة بضمّ الرّاء وكسرها ، والرّبوة والرّباوة بتثليث الرّاء فيهما المرتفع من الأرض (ذاتِ قَرارٍ) للماء بانبساطها واستوائها أو للنّاس بسبب انّ من كان فيها ومن دخلها يستقرّون فيها لحسن مكانها ووفور النّعم فيها (وَمَعِينٍ) اى ذات ماء جار من معن الماء إذا جرى ، أو من الماعون بمعنى المعروف ، أو اسم مفعول من العين بمعنى المدرك بالعيون لظهورها وارتفاعها والمراد بها بيت المقدس أو دمشق أو رملة فلسطين أو مصر ، وعن ابى جعفر (ع) وابى عبد الله (ع) انّها حيرة الكوفة وسوادها والقرار مسجد الكوفة والمعين الفرات (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) حال بتقدير القول أو جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول كأنّه قيل : ما قال الله الرّسل سواء كان الخطاب لمجموعهم دفعة في عالم الجمع وهو عالم الأرواح ، أو كان الخطاب لكلّ واحد واحد في زمانه لكنّه تعالى جمعهم في الحكاية ، وقيل : انّه خطاب لمحمّد (ص) من دون تقدير القول والإتيان بالجمع لجريه على طريقة العرف في مخاطبة الواحد مخاطبة الجمع ، وقد مضى مكرّرا انّ الاكل لا اختصاص له بما يعرفه العرف اكلا بل ادراك كلّ مدرك وفعل كلّ عضو وتحريك كلّ محرّك وتحرّك كلّ متحرّك أكل له ولمّا كان مراتب الإنسان كثيرة كان طيّبات كلّ مرتبة من جهتها الخلقيّة ما كانت ملائمة ملذّة لها ومن جهتها الحقّيّة ما كانت مباحة مكسوبة بأمر الله مرضيّة لله سواء كانت موافقة لسائر المراتب أو لم تكن (وَاعْمَلُوا صالِحاً) ليس المراد به فردا ما لا على التّعيين فانّ الأنبياء ان لم يكونوا مأمورين بجميع الصّالحات كانوا مأمورين بأكثرها ، ولم يكتف تعالى من سائر عباده بفرد ما من الصّالحات فكيف بالأنبياء فالمراد اعملوا صالحا عظيما فانّ التّنوين والتّنكير في أمثاله بعد ما علم انّه ليس المراد به فردا ما امّا ان يكون للتّحقير أو للتّعظيم ، والتّحقير أيضا مناف لأمر الأنبياء (ع) فالمراد هو التّعظيم