والصّالح العظيم الّذى لا صالح الّا بصلاحه هو الولاية فعلى هذا ينبغي ان يفسّر الآية هكذا : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) الّتى هي أرزاق الأعضاء والقوى والمدارك من الأعمال القالبيّة الشّرعيّة والنّفسانيّة النّبويّة واعملوا صالحا عظيما هو الولاية والتّوجّهات والاستعدادات والإلهامات والمشاهدات المتعلّقة بها (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ) من الأعمال القالبيّة والقلبيّة (عَلِيمٌ) ويجوز ان يكون الخطاب للرّسل ويكون المقصود بالحكم أممهم من قبيل ايّاك اعنى واسمعي يا جارة ، أو يكون الأمم مقصودين معهم (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ) اى دينكم أو جماعتكم الآمّون لكم المؤتمّون بكم وسوق العبارة يقتضي ان يقال : هذه أممكم لكنّه تعالى لمّا جمع في حكاية الخطاب أو جمعهم في أصل الخطاب في العوالم العالية جمع الأمم أيضا في لفظ الامّة فانّه يطلق على الواحد والكثير ، وقرئ انّ مفتوحة الهمزة مشدّدة ومخفّفة بالعطف على ما تعملون أو بتقدير اللّام لتعليل قوله فاتّقون ، وقرئ انّ مكسورة الهمزة بالعطف على انّى بما تعملون عليم (أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) والمقصود من الآية انّا أرسلنا الرّسل وبعد ما بلّغوا وأجاب لهم أممهم ووقعوا بيننا وبين عبادنا وصاروا ذوي اضافتين اضافة إلينا واضافة الى عبادنا قلنا لهم : يا ايّها الرّسل أنتم ائمّة لعبادنا فاعملوا الأعمال القالبيّة المرضيّة للنّفوس ولنا حتّى يتأسّى بكم أممكم ولا ينزجروا منكم ولا ينفروا عنكم وعن دينكم ، واعملوا الأعمال القلبيّة الّتى بها توجّهكم إلينا واستفاضتكم منّا حتّى يتمّ تربيتكم لعبادنا بحسب الظّاهر والباطن ، لانّى بما تعملون من الأعمال القالبيّة والقلبيّة عليم ، ولانّ هذه أمّتكم فليكن المنظور من أعمالكم صلاح حالهم وانا ربّكم الّذى أفيض عليكم ما به قوامكم وما به صلاحكم وصلاح أممكم فاتّقون في عدم مراقبة حال الأمم وعدم التّوجّه الىّ لاخذ ما به صلاح الأمم (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) يعنى كان أمّة كلّ رسول في زمانه أمّة واحدة بواسطة مراقبة الرّسول (ع) واجتماعهم على ملّته ففرّقوا امر دينهم بعد ذهاب رسولهم باستبداد بعضهم بالرّأى وعدم انقيادهم لوصىّ رسولهم واختيار كلّ مذهبا ومسلكا كما وقع ذلك في أمّة محمّد (ص) أو تفرّقوا بفرق مختلفة لأجل امر دينهم (زُبُراً) جمع الزّبور بمعنى الفرقة ، وقرئ زبرا بفتح الباء جمع الزّبرة بمعنى القطعة مثل الغرفة والغرف يعنى فرّقوا امر دينهم قطعا مختلفة ، أو تفرّقوا حالكونهم فرقا مختلفة ، أو هو جمع الزّبور بمعنى الكتاب يعنى جعلوا دينهم كتبا يتوسّلون بها وينصرفون عن صاحب دينهم وقالوا : كفانا كتابنا كما جعل أمّة محمّد (ص) امر دينهم مستندا الى الكتاب السّماوىّ الّذى جمعوه والى كتبهم الّتى دوّنوها لتصحيح دينهم وعلى التّقادير صحّ جعل زبرا مفعولا ثانيا وحالا (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) استيناف جواب لسؤال مقدّر في مقام التّعليل يعنى تفرّقوا لانّ كلّ حزب منهم كانوا بما عندهم من العلوم والمسائل والآراء معجبون فأرادوا رواج ما عندهم واستنكفوا عن صاحب دينهم (فَذَرْهُمْ) يعنى إذا كان حال الأمم على ما ذكر وحال أمّتك تصير الى ما ذكر فذر الأمم ومنافقي أمّتك (فِي غَمْرَتِهِمْ) فلا تتعرّض لهم بالرّدّ والقبول (حَتَّى حِينٍ) اى حين العذاب على يدك أو يد خليفتك أو حين الموت وظهور علىّ (ع) (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) فيستنكفون لذلك عن وصيّك (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) انّه استدراج لهم ومكر ولذا يحسبون ويستنكفون (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : لم لا ينبغي هذا الحسبان؟ ـ فقال : لانّا نسارع في الخيرات لهؤلاء لأولئك وقد مضى بيان هذه الكلمة في سورة الأنبياء عند قوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) يعنى بجملة آياته خصوصا آياته العظمى من الأنبياء والأولياء (ع) يذعنون ، أو الّذين