أنها كانت حمراء وسواد ، فلعل هذا خطأ في التعريب ، أو كما قال الأول : إنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد ، والله أعلم.
وقوله تعالى : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) أي لكثرتها ، فميز لنا هذه البقرة وصفها وحلها لنا (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ) إذا بينتها لنا (لَمُهْتَدُونَ) إليها ، وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن يحيى الأودي الصوفي ، حدثنا أبو سعيد أحمد بن داود الحداد ، حدثنا سرور بن المغيرة الواسطي بن أخي منصور بن زاذان ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة : قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لو لا أن بني إسرائيل قالوا (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) ما أعطوا أبدا ، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولكن شددوا ، فشدد الله عليهم» وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة كما تقدم مثله على السدي ، والله أعلم.
(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) أي إنها ليست مذللة بالحراثة ولا معدة للسقي في الساقية ، بل هي مكرمة ، حسنة ، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : مسلمة يقول : لا عيب فيها ، وكذا قال أبو العالية والربيع. وقال مجاهد : مسلمة من الشية ، وقال عطاء الخراساني : مسلمة القوائم والخلق لا شية فيها ، قال مجاهد : لا بياض ولا سواد ، وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة : ليس فيها بياض ، وقال عطاء الخراساني : لا شية فيها ، قال : لونها واحد بهيم ، وروي عن عطية العوفي ووهب بن منبه وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك ، وقال السدي : لا شية فيها من بياض ولا سواد ولا حمرة. وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى. وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) ليست بمذللة بالعمل ، ثم استأنف فقال : (تُثِيرُ الْأَرْضَ) أي يعمل عليها بالحراثة ، لكنها لا تسقي الحرث ، وهذا ضعيف لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث ، كذا قرره القرطبي (١) وغيره.
(قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) قال قتادة : الآن بينت لنا ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : وقبل ذلك والله قد جاءهم الحق (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) قال الضحاك ، عن ابن عباس : كادوا أن لا يفعلوا ولم يكن ذلك الذي أرادوا ، لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها ، يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد ، وفي هذا ذم لهم ، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت ، فلهذا ما كادوا يذبحونها. وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس : فذبحوها وما كادوا يفعلون لكثرة ثمنها. وفي هذا نظر ، لأن كثرة الثمن لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي ، ورواه العوفي عن ابن عباس ، وقال عبيدة
__________________
(١) تفسير القرطبي ١ / ٤٥٣.