الرجل الذي لا يحسن الكتابة. قال أبو العالية والربيع وقتادة وإبراهيم النخعي وغير واحد : وهو ظاهر في قوله تعالى (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) أي لا يدرون ما فيه. ولهذا في صفات النبيصلىاللهعليهوسلم : أنه الأمي لأنه لم يكن يحسن الكتابة ، كما قال تعالى (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت : ٤٨] وقال عليه الصلاة السلام «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا» الحديث ، أي لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب ، وقال تبارك وتعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ) [الجمعة : ٢] وقال ابن جرير (١) : نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه من جهله بالكتاب دون أبيه. قال : وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : قول خلاف هذا ، وهو ما حدثنا به أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله ، فكتبوا كتابا بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سفلة جهال : هذا من عند الله ، وقال : قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله ، ثم قال ابن جرير : وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم ، وذلك أن الأمي عند العرب الذي لا يكتب. قلت : ثم في صحة هذا عن ابن عباس بهذا الإسناد نظر ، والله أعلم.
وقوله تعالى : (إِلَّا أَمانِيَ) قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس : إلا أماني الأحاديث. وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى (إِلَّا أَمانِيَ) يقول : إلا قولا يقولون بأفواههم كذبا. وقال مجاهد إلا كذبا : وقال سنيد عن حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) قال : أناس من اليهود ، لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا ، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ويقولون هو من الكتاب ، أماني يتمنونها. وعن الحسن البصري نحوه. وقال أبو العالية والربيع وقتادة : إلا أماني يتمنون على الله ما ليس لهم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إلا أماني ، قال : تمنوا فقالوا : نحن من أهل الكتاب وليسوا منهم. قال ابن جرير : والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس. وقال (٢) مجاهد : إن الأميين الذين وصفهم الله تعالى أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله تعالى على موسى شيئا ولكنهم يتخرصون الكذب ويتخرصون الأباطيل كذبا وزورا ، والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه ، ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : ما تغنيت ولا تمنيت ، يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب. وقيل المراد بقوله إلا أماني بالتشديد والتخفيف أيضا : أي إلا تلاوة ، فعلى هذا يكون استثناء منقطعا ، واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى : (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) ـ أي تلا ـ (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) [الحج : ٥٢] ، وقال كعب بن مالك الشاعر :
__________________
(١) الطبري ١ / ٤١٧.
(٢) في الطبري : «وقول مجاهد». والكلام ما زال للطبري بصدد اختياره.