وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) [النساء : ١٥٠ ـ ١٥١] ، فحكم عليهم بالكفر المحقق إذا آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم ، وكذلك من عادى جبرائيل فإنه عدو لله ، لأن جبرائيل لا ينزل بالأمر من تلقاء نفسه وإنما ينزل بأمر ربه ، كما قال : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) [مريم : ٦٤] ، وقال تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [الشعراء : ١٩٢ ـ ١٩٣ ـ ١٩٤] ، وقد روى البخاري (١) في صحيحه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب» ولهذا غضب الله لجبرائيل على من عاداه ، فقال تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي من الكتب المتقدمة : (وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة ، وليس ذلك إلا للمؤمنين ، كما قال تعالى : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) [فصلت : ٤٤] : وقال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء : ٨٢].
ثم قال تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) يقول تعالى : من عاداني وملائكتي ورسلي ، ورسله تشمل رسله من الملائكة والبشر ، كما قال تعالى (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) [الحج : ٧٥]. (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) وهذا من باب عطف الخاص على العام ، فإنهما دخلا في الملائكة في عموم الرسل ، ثم خصصا بالذكر لأن السياق في الانتصار لجبرائيل ، وهو السفير بين الله وأنبيائه ، وقرن معه ميكائيل في اللفظ ، لأن اليهود زعموا أن جبرائيل عدوهم ، وميكائيل وليهم ، فأعلمهم الله تعالى أن من عادى واحدا منهما فقد عادى الآخر وعادى الله أيضا ، ولأنه أيضا ينزل على أنبياء الله بعض الأحيان ، كما قرن برسول الله صلىاللهعليهوسلم في ابتداء الأمر ، ولكن جبرائيل أكثر وهي وظيفته وميكائيل موكل بالنبات والقطر ، هذا بالهدى وهذا بالرزق ، كما أن إسرافيل موكل بالنفخ في الصور للبعث يوم القيامة ، ولهذا جاء في الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا قام من الليل يقول : «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» وقد تقدم ما حكاه البخاري ، ورواه ابن جرير عن عكرمة وغيره أنه قال ، جبر ، وميك ، وإسراف : عبيد ، وإيل : الله ، وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إسماعيل بن أبي رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن ابن عباس ، قال : إنما كان قوله جبرائيل كقوله عبد الله وعبد الرحمن وقيل جبر : عبد ، وإيل : الله. وقال محمد بن إسحاق عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، قال : أتدرون ما اسم جبرائيل من أسمائكم؟ قلنا : لا ، قال : اسمه عبد الله ، وكل اسم مرجعه إلى إيل فهو إلى الله عز
__________________
(١) صحيح البخاري (رقاق باب ٣٨)