وقال ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود ، فلما انصرف ورحبوا به ، فقال لهم عمر : وأما والله ما جئتكم لحبكم ولا لرغبة فيكم ، ولكن جئت لأسمع منكم ، فسألهم وسألوه ، فقالوا : من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم : جبرائيل ، فقالوا : ذاك عدونا من أهل السماء يطلع محمدا على سرنا ، وإذا جاء جاء بالحرب والسنة ، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل ، وكان إذا جاء جاء بالخصب والسلم ، فقال لهم عمر : هل تعرفون جبرائيل ، وتنكرون محمدا صلىاللهعليهوسلم؟ ففارقهم عمر عند ذلك وتوجه نحو النبي صلىاللهعليهوسلم ليحدثه حديثهم ، فوجده قد أنزلت عليه هذه الآية : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) الآيات.
ثم قال (١) : حدثني المثنى ، حدثنا آدم ، حدثنا أبو جعفر ، حدثنا قتادة ، قال : بلغنا أن عمر أقبل إلى اليهود يوما فذكر نحوه. وهذا في تفسير آدم وهو أيضا منقطع. وكذلك رواه أسباط عن السدي عن عمر مثل هذا أو نحوه ، وهو منقطع أيضا. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن يعني الدشتكي ، حدثنا أبو جعفر عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى : أن يهوديا لقي عمر بن الخطاب ، فقال : إن جبرائيل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا ، فقال عمر (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) قال : فنزلت على لسان عمر رضي الله عنه. ورواه عبد بن حميد عن أبي النضر هاشم بن القاسم ، عن أبي جعفر هو الرازي. وقال ابن جرير (٢) : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثني هشيم ، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن ، عن ابن أبي ليلى في قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) قال : قالت اليهود للمسلمين : لو أن ميكائيل كان هو الذي ينزل عليكم لتبعناكم ، فإنه ينزل بالرحمة والغيث ، وإن جبرائيل ينزل بالعذاب والنقمة ، فإنه عدو لنا ، قال : فنزلت هذه الآية. حدثنا يعقوب ، أخبرنا هشيم ، أخبرنا عبد الملك عن عطاء بنحوه. وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) قال : قالت اليهود : إن جبرائيل عدو لنا. لأنه ينزل بالشدة والسنة ، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب ، فجبرائيل عدو لنا. فقال الله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) الآية.
وأما تفسير الآية فقوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) ، أي من عادى جبرائيل فليعلم أنه الروح الأمين الذي نزل بالذكر الحكيم على قلبك من الله بإذنه له في ذلك ، فهو رسول من رسل الله ملكي ، ومن عادى رسولا فقد عادى جميع الرسل ، كما أن من آمن برسول يلزمه الإيمان بجميع الرسل ، وكما أن من كفر برسول فإنه يلزمه الكفر بجميع الرسل ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ
__________________
(١) أي الطبري. وهذا الحديث والذي قبله في تفسير الطبري ١ / ٤٧٩.
(٢) تفسير الطبري ١ / ٤٨.