قالوا : لأنك تغشانا وتأتينا ، فقلت : إني آتيكم فأعجب من القرآن كيف يصدق التوراة ومن التوراة كيف تصدق القرآن ، قال : ومر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا ابن الخطاب ، ذاك صاحبكم فالحق به ، قال : فقلت لهم عند ذلك : نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو ، وما استرعاكم من حقه ، وما استودعكم من كتابه ، هل تعلمون أنه رسول الله؟ قال : فسكتوا ، فقال عالمهم وكبيرهم : إنه قد عظم عليكم فأجيبوه ، قالوا : فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت ، قال : أما إذا نشدتنا بما نشدتنا ، فإنا نعلم أنه رسول الله ، قلت : ويحكم إذا هلكتم ، قالوا : إنا لم نهلك ، قلت : كيف ذلك وأنتم تعلمون أنه رسول الله ولا تتبعونه ولا تصدقونه؟ قالوا : إن لنا عدوا من الملائكة وسلما من الملائكة ، وأنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة ، قلت : ومن عدوكم ، ومن سلمكم؟ قالوا : عدونا جبريل ، وسلمنا ميكائيل ، قالوا : إن جبرائيل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا ، وإن ميكائيل ملك الرحمة والرأفة والتخفيف ونحو هذا ، قال : قلت : وما منزلتهما من ربهما عزوجل؟ قالوا : أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ، قال : فقلت : فو الذي لا إله إلا هو إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما ، وسلّم لمن سالمهما ، وما ينبغي لجبرائيل أن يسالم عدو ميكائيل ، وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبرائيل ، قال : ثم قمت فأتبعت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلحقته وهو خارج من خوخة (١) لبني فلان ، فقال : «يا ابن الخطاب ألا أقرئك آيات نزلن قبل» فقرأ عليّ (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) حتى قرأ الآيات ، قال : قلت : بأبي وأمي أنت يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لقد جئت أنا أريد أن أخبرك وأنا أسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة عن مجالد ، أنبأنا عامر ، قال : انطلق عمر بن الخطاب إلى اليهود ، فقال : أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون محمدا في كتبكم؟ قالوا : نعم ، قال : فما يمنعكم أن تتبعوه؟ قال : إن الله لم يبعث رسولا إلا جعل له من الملائكة كفلا وإن جبرائيل كفل محمدا وهو الذي يأتيه ، وهو عدونا من الملائكة ، وميكائيل سلمنا لو كان ميكائيل الذي يأتيه أسلمنا ، قال : فإني أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما منزلتهما عند الله تعالى؟ قالوا : جبريل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، قال عمر : وإني أشهد ما ينزلان إلا بإذن الله ، وما كان ميكائيل ليسالم عدو جبرائيل ، وما كان جبرائيل ليسالم عدو ميكائيل ، فبينما هو عندهم إذ مر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : هذا صاحبك يا ابن الخطاب ، فقام إليه عمر فأتاه ، وقد أنزل الله عزوجل : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) وهذان الإسنادان يدلان على أن الشعبي حدث به عن عمر ، ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر فإنه لم يدرك زمانه ، والله أعلم.
__________________
(١) في الطبري : مخرفة لبني فلان». والمخرفة : البستان. والخوخة : باب صغير وسط باب كبير نصب حاجزا بين دارين ، ومخترق ما بين كل دارين.