الكعبة بعد ، ولهذا يقول تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الناسخ والمنسوخ : أخبرنا حجاج بن محمد أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء ، عن عطاء عن ابن عباس قال : أول ما نسخ لنا من القرآن فيما ذكر لنا ، والله أعلم ، شأن القبلة. قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) فاستقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ، ثم صرفه إلى بيته العتيق ونسخها. فقال (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة : ١٤٩ ـ ١٥٠] وقال (١) علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : كان أول ما نسخ من القرآن القبلة ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما هاجر إلى المدينة ، وكان أهلها اليهود ، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بضعة عشر شهرا ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحب قبلة إبراهيم ، وكان يدعو وينظر إلى السماء ، فأنزل الله (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) [البقرة : ١٤٩] إلى قوله (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة : ١٤٤] فارتاب من ذلك اليهود ، وقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، فأنزل الله (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) [البقرة : ١٤٢] ، وقال : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ). وقال عكرمة عن ابن عباس (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) قال : قبلة الله أينما توجهت شرقا أو غربا ، وقال مجاهد (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها الكعبة ، وقال ابن أبي حاتم بعد رواية الأثر المتقدم عن ابن عباس في نسخ القبلة عن عطاء عنه : وروي عن أبي العالية والحسن وعطاء الخراساني وعكرمة وقتادة والسدي وزيد بن أسلم نحو ذلك.
وقال ابن جرير : وقال آخرون : بل أنزل الله هذه الآية قبل أن يفرض التوجه إلى الكعبة ، وإنما أنزلها ليعلم نبيه صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاؤوا من نواحي المشرق والمغرب ، لأنهم لا يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية ، إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية ، لأن له تعالى المشارق والمغارب وأنه لا يخلو منه مكان كما قال تعالى : (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) [المجادلة : ٧] ، قالوا : ثم نسخ ذلك بالفرض الذي فرض عليهم التوجه إلى المسجد الحرام هكذا قال.
وفي قوله وأنه تعالى لا يخلو منه مكان ، إن أراد علمه تعالى فصحيح ، فإن علمه تعالى محيط بجميع المعلومات ، وأما ذاته تعالى فلا تكون محصورة في شيء من خلقه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. قال ابن جرير (٢) وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، إذنا من الله أن يصلي المتطوع ، حيث توجه من شرق أو غرب ، في مسيره في سفره ، وفي حال المسايفة
__________________
(١) تفسير الطبري ١ / ٥٤٩.
(٢) تفسير الطبري ١ / ٥٥٠.