لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل : ١٢٠ ـ ١٢١ ـ ١٢٢] وقال تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٦١ ـ ١٦٢] ، وقال تعالى : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ٦٧ ـ ٦٨] ، وقوله تعالى : (بِكَلِماتٍ) أي : بشرائع وأوامر ونواه ، فإن الكلمات تطلق ، ويراد بها الكلمات القدرية كقوله تعالى عن مريم عليهاالسلام : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [التحريم : ١٢] وتطلق ، ويراد بها الشرعية ، كقوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) [الأنعام : ١١٥] أي : كلماته الشرعية ، وهي إما خبر صدق ، وإما طلب عدل إن كان أمرا أو نهيا ، ومن ذلك هذه الآية الكريمة : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) ، أي : قام بهن قال : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) أي : جزاء على ما فعل ، لما قام بالأوامر وترك الزواجر جعله الله للناس قدوة ، وإماما يقتدى به ويحتذي حذوه.
وقد اختلف في تعيين الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل عليهالسلام ، فروي عن ابن عباس في ذلك روايات ، فقال عبد الرزاق ، عن معمر عن قتادة قال ابن عباس : ابتلاه الله بالمناسك ، وكذا رواه أبو إسحاق السبيعي عن التميمي عن ابن عباس. وقال عبد الرزاق أيضا ، أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) ، قال: ابتلاه بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد ، في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس ، وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء ، قال ابن أبي حاتم : وروي عن سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي والنخعي ، وأبي صالح وأبي الجلد نحو ذلك ، (قلت) : وقريب من هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «عشر من الفطرة : قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء ، ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة». قال وكيع : انتقاص الماء يعني الاستنجاء ، وفي الصحيحين (١) عن أبي هريرة عن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الفطرة خمس : الختان والاستحداد (٢) وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط» ، ولفظه لمسلم. وقال ابن أبي حاتم : أنبأنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن حنش بن عبد الله الصنعاني عن ابن عباس أنه كان يقول في تفسير هذه الآية : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ
__________________
(١) صحيح البخاري (لباس باب ٥١ ، ٦٣ ، ٦٤) وصحيح مسلم (طهارة حديث ٤٩ ، ٥٠)
(٢) الاستحداد : هو حلق العانة. سمي استحدادا لاستعمال الحديدة ، وهي الموسى.