رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) قال : عشر ، ست في الإنسان ، وأربع في المشاعر ، فأما التي في الإنسان حلق العانة ، ونتف الإبط والختان ، وكان ابن هبيرة يقول : هؤلاء الثلاثة واحدة ، وتقليم الأظفار وقص الشارب والسواك وغسل يوم الجمعة ، والأربعة التي في المشاعر : الطواف والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والإفاضة. وقال داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال : ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كله إلا إبراهيم ، قال الله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) قلت له : وما الكلمات التي ابتلى الله إبراهيم بهن فأتمهن؟ قال : الإسلام ثلاثون سهما منها عشر آيات في براءة (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) [التوبة : ١١٢] إلى آخر الآية ، وعشر آيات في أول سورة : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون : ١] ، و (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) [المعارج : ١] وعشر آيات في الأحزاب : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) [الأحزاب : ٣٥] إلى آخر الآية فأتمهن كلهن فكتبت له براءة ، قال الله : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم : ٣٧] هكذا رواه الحاكم وأبو جعفر بن جرير وأبو محمد بن أبي حاتم بأسانيدهم إلى داود بن أبي هند وهذا لفظ ابن أبي حاتم.
وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال : الكلمات التي ابتلى الله بهن إبراهيم فأتمهن ، فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم ، ومحاجته نمروذ في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافه ، وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم ، والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في الله حين أمره بالخروج عنهم وما أمره به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله ، وما ابتلي به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه فلما مضى على ذلك من الله كله وأخلصه للبلاء ، قال الله له : (أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [البقرة : ١٣١] على ما كان من خلاف الناس وفراقهم.
وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبو سعيد الأشج أخبرنا إسماعيل بن علية عن أبي رجاء عن الحسن ، يعني البصري (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) قال : ابتلاه بالكوكب فرضي عنه ، وابتلاه بالقمر فرضي عنه ، وابتلاه بالشمس فرضي عنه ، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه ، وابتلاه بالختان فرضي عنه ، وابتلاه بابنه فرضي عنه.
وقال ابن جرير (١) : أخبرنا بشر بن معاذ أخبرنا يزيد بن زريع ، أخبرنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول : أي والله لقد ابتلاه بأمر فصبر عليه ، ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر ، فأحسن في ذلك وعرف أن ربه دائم لا يزول ، فوجه وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفا ، وما كان من المشركين ، ثم ابتلاه بالهجرة ، فخرج من بلاده وقومه ، حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله ، ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة ، فصبر على ذلك ، وابتلاه بذبح ابنه والختان ، فصبر على ذلك.
__________________
(١) تفسير الطبري ١ / ٥٧٥.