يا جبريل؟ فيقول جبريل : امضه (١) ، حتى قدم به مكة ، وهي إذ ذاك عضاه وسلم وسمر (٢) ، وبها أناس يقال لهم العماليق خارج مكة وما حولها ، والبيت يومئذ ربوة حمراء مدرة (٣) ، فقال إبراهيم لجبريل : أههنا أمرت أن أضعهما؟ قال : نعم ، فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه ، وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشا ، فقال (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) [إبراهيم : ٣٧] إلى قوله : (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
وقال عبد الرزاق : أخبرنا هشام بن حسان ، أخبرني حميد ، عن مجاهد ، قال : خلق الله موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا بألفي سنة ، وأركانه في الأرض السابعة. وكذا قال ليث بن أبي سليم عن مجاهد : القواعد في الأرض السابعة. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، أخبرنا عمرو بن رافع أخبرنا عبد الوهاب بن معاوية عن عبد المؤمن بن خالد ، عن علياء بن أحمر : إن ذا القرنين قدم مكة ، فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة أجبل. فقال : ما لكما ولأرضي؟ فقال : نحن عبدان مأموران ، أمرنا ببناء هذه الكعبة. قال : فهاتا البينة على ما تدعيان. فقامت خمسة أكبش فقلن : نحن نشهد أن إبراهيم وإسماعيل عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة. فقال : قد رضيت وسلمت ، ثم مضى ، وذكر الأزرقي في تاريخ مكة أن ذا القرنين طاف مع إبراهيم عليهالسلام بالبيت ، وهذا يدل على تقدم زمانه ، والله أعلم.
وقال البخاري (٤) رحمهالله : قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) الآية ، القواعد : أساسه ، واحدها قاعدة ، والقواعد من النساء واحدتها قاعد. حدثنا إسماعيل : حدثني مالك عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ألم تري أن قومك حين بنوا البيت اقتصروا على قواعد إبراهيم؟» (٥) فقلت : يا رسول الله ، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال «لولا حدثان قومك بالكفر» فقال عبد الله بن عمر : لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما أرى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر ، إلا أن البيت لم يتمّم على قواعد إبراهيم عليهالسلام. وقد رواه في الحج عن القعنبي ، وفي أحاديث الأنبياء عن عبد الله بن يوسف ومسلم ، عن يحيى بن يحيى ، ومن حديث ابن وهب والنسائي من حديث عبد الرحمن بن القاسم كلهم عن مالك به.
ورواه مسلم أيضا من حديث نافع قال : سمعت عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة ، يحدث
__________________
(١) امضه : بمعنى امضي ، والهاء زائدة.
(٢) العضاه والسلم والسمر : أنواع من الشجر.
(٣) أي من طين لزج متماسك.
(٤) صحيح البخاري (تفسير سورة البقرة باب ٧)
(٥) عبارة البخاري : «أن قومك بنوا الكعبة واقتصروا ...».