يشهد بصحّة ما استنبطناه حديث اتّحادهما في النورانيّة المتواتر بين الفريقين ، فمن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل (١) في مسنده ، وابن المغازليّ (٢) في مناقبه ،
__________________
بتبعيّته.
فيكون تقديم المفضول على الفاضل مع قبحه عقلا كما ترشد إليه الآية الكريمة (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) سورة يونس : ٣٥ و (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) سورة الزمر : ٩. وأمثالها من الآيات نقضا لغرض الإمامة ، ومخالفا لمقاصد الولاية. وفيما ذا يتّبع الجاهل؟ وعلى هذا تقديم المفضول على الفاضل ، أو ترجيح المرجوح على الراجح هما قبيحان بضرورة العقل القاطعة ، بل عليه جبلت الطبائع ويشهد له أحوال العقلاء ، فإنّ المولى إذا أمر عبده بأن يفعل فعلا قبيحا ، فقدّم العبد رجلا جاهلا على رجل عالم في المجلس لعدّ ممتثلا.
ولهذا احتجّوا في السقيفة على الأنصار بالأفضليّة ، وأوصى أبو بكر إلى عمر متذرّعا بأفضليّته ، ثمّ قال عمر عند وفاته : لو كان أبو عبيدة حيّا لما قدّمت عليه أحد. وقال أبو بكر : أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم ، فإنّ كلّ ذلك يدلّ على أنّ تقديم الأفضل أمر جبليّ للطبائع السليمة.
وأمّا إنّ عليّا عليهالسلام أفضل من غيره في الجميع ، فهو أعلى في الظهور من النور فوق الطور ، والأحاديث الدالّة على أنّه عليهالسلام أكمل المخلوقات وأفضلهم من جميع الجهات كثيرة ، ومناقبه وقضاياه لا تحصى كثرة. منها : حديث المنزلة الذي حكم صلىاللهعليهوآله له فيه بالفضل على الجماعة والنصرة والوزارة والخلافة في حياته وبعد وفاته ، وصيّر الإمامة له ؛ بدلالة أنّ هذه المنازل كلّها كانت لهارون من موسى في حياة موسى عليهماالسلام وايجاب جميعها لأمير المؤمنين عليّ عليهالسلام إلّا ما أخرجه الاستثناء منها ظاهر ، وأوجبه بلفظ «بعد» له من بعد وفاته ، وبتقدير ما كان يجب لهارون من موسى لو بقي بعد أخيه ، فلم يستثنه النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فبقي لعليّ عليهالسلام عموم ما حكم له من المنازل ، وهذا نصّ على إمامته لا خفاء به على من تأمّله.
ومنها : حديث الطير ، فقد دعا النبيّ صلىاللهعليهوآله أن يأتيه الله بأحبّ خلقه إليه ، فجاءه عليّ عليهالسلام فأكل معه ، وقد ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى الله تعالى وأفضلهم عنده ، إذ كانت محبته منبئة عن الثواب دون الهوى وميل الطباع ، وإذا صحّ أنّه أفضل خلق الله تعالى ، ثبت أنّه كان الإمام ، لفساد تقدّم المفضول على الفاضل في النبوّة وخلافتها العامّة في الأنام.
الإفصاح في الإمامة ٢٩ ـ ٤٢ ، أسرار الإمامة ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، نهج الإيمان ٢٨٩ ـ ٣٠٢.
(١) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١١٥.
(٢) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليهالسلام لابن المغازلي ٨٧ ـ ٨٩.