قلت : استخلافه على المدينة لم يقيّد بزمان ، فالعزل يحتاج إلى فسخ. ألا ترى أنّ السلطان إذا استخلف قاضيا على بلد احتاج عزله إلى ناسخ ، فالأصل بقاؤه استصحابا لحال النصّ إلى أن يثبت الناسخ ، ولم يفصل الأمّة بعد ثبوت خلافته عن النبيّ صلىاللهعليهوآله بعد الوفاة استصحابا للنصّ إلى ثبوت الناسخ بين المدينة وغيرها ، فيثبت في غيرها بعدم القول بالفصل والإجماع المركب على أنّ العبرة إنّما هي بعموم اللفظ لا بخصوص المورد.
وقوله صلىاللهعليهوآله في جواب [قول] عليّ عليهالسلام «أتخلّفني في النساء والصبيان؟» : «ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى» يفيد استخلافه مطلقا ؛ كما كان هو لهارون من موسى ، ضرورة عدم [وجود] تقييد في خلافة هارون على أمّته من موسى ، ففي الحقيقة كأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله في جواب الوليّ قال : لا تخصيص في خلافتك ، بل خلافتك كخلافة هارون من موسى ، لا أنّه تقرير للتخصيص المذكور في كلام عليّ عليهالسلام. وما قاله عليهالسلام لم يكن اعتراضا على النبيّ صلىاللهعليهوآله ، بل تمهيد لتعميم النبيّ صلىاللهعليهوآله خلافته كخلافة هارون من موسى على وجه يفيد البقاء بعد وفاته ، ضرورة أنّ هارون كان لو عاش بعد موسى كان خليفة ، وإنّما حال الموت بينه وبين الخلافة ، لا أنّ خلافته من موسى كانت مقيّدة بزمان عمره أو بزمان رجوع موسى من ميقات ربّه لعموم اللفظ ، وعدم كون المورد مخصّصا ، كما تقرّر عند المحقّقين في المصارع الأصوليّة.
وبالجملة كأنّ عليّا استفهم حقيقة أو إنكارا تخصيص خلافته ، فأجاب النبيّ صلىاللهعليهوآله بالعموم ، تنصيصا على عدم اختصاصها بأهل المدينة وبزمان سفره ، بل يعمّ الأزمان والأحوال والأمّة ، كما كان لهارون من موسى ؛ وبهذا ظهر فساد وهم بعضهم من أنّ خلافته كانت في سفره ، أو في أهل المدينة خاصّة. هذا هو التحقيق في فقه الحديث ليس إلّا.