الثاني ، فيكون هذا من مفاهيم أخوّته وأنّه ليس مماثل النبيّ صلىاللهعليهوآله إلّا الوليّ.
وليس المراد بالمشاركة ، مشاركة عليّ عليهالسلام في النبوّة لتعذّره وظهور أفراد أمره صلىاللهعليهوآله ، لكنّ القرينة القاطعة قائمة في المقام بعدم الإرادة ، فإنّ قوام أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله إنّما هو بأمرين : جهة عالية قدسيّة يتلقّى الوحي بها عن الله ، وجهة سافلة إنسيّة يلقيه إلى عباد الله ، والخليفة شريكه في جهة الإلقاء لا التلقّي عن الله.
على أنّا نقول : كلّ نبيّ ووليّ يتلقّى الحكم عن الله تعالى ، لكن النبيّ [يتلقّى] مستقلّا ، وبلا واسطة بشر ، وبوحي ، والخليفة [يتلقّى] فرعا وبواسطة نور النبوّة وبإلهام ، وكلاهما إمامان للخلق ، لكنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أصلا ، والوليّ فرعا ونيابة.
وتفسير الإمامة بالنيابة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله اصطلاح. ألا ترى أنّ الله تعالى كيف قال لإبراهيم عليهالسلام : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) ثمّ فعل النبيّ صلىاللهعليهوآله (٢) هذا وقوله هنا دليل على تأويل الآية في حقّه وحقّ عليّ عليهالسلام بما هو في سؤال موسى لهارون ، فكلّ ما كان لهارون من موسى كان لعليّ من محمّد صلوات الله عليهم أجمعين ، ويشهد به أخبار المنزلة كما سلفت.
إن قلت : هارون كان خليفة لموسى في حياته ، والمطلوب خلافة عليّ عليهالسلام في وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فلا دلالة لها في ذلك.
قلت : خلافة هارون من موسى لم تكن مقيّدة بزمان حياة موسى عليهالسلام ؛ بل كانت مطلقة ، بحيث لو كان عاش كان خليفة له بعد وفاة موسى ، وإنّما حال الموت بين هارون عليهالسلام والخلافة بعد موسى. وكذلك كان حال عليّ عليهالسلام من محمّد صلىاللهعليهوآله ، ولم يقع موت لعليّ عليهالسلام في حياة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فبقي خليفة عنه صلىاللهعليهوآله بعد وفاته من جهة
__________________
(١) ـ البقرة : ١٢٤.
(٢) ـ معاني الأخبار ١٣٠ و ١٣١.