وزعم القدري أنّه لم يخلقهم مسلمين ولا كافرين وأن هذا مستحيل ، ثمّ يحتمل أنّه أراد بعض عبيده وبعض بني آدم لما تقدم من الآيات والأخبار التي دلت على أنّ الله ـ عزوجل ـ خلق بعضهم مؤمنين وبعضهم كافرين.
قال : ونفس الخبر دال على ما قلنا ، وذلك أنّه يقول : خلقتهم كلهم فاجتالتهم الشياطين عن دينهم ، وإنّما اجتال الشياطين بعضهم لا كلّهم ، لأنّه لم يجتل الأنبياء ، ولا يحيى بن زكريا ، ولا الأطفال ، ولا المجانين ، فلمّا ثبت قوله : «اجتالتهم كلهم» يريد بعضهم ثبت أنّ قوله : «خلقهم كلهم» يريد بعضهم.
فإنّ قال : ففي الخبر «خلقت عبادي» واسم العباد لا يقع على بعضهم.
يقال له : اسم العباد قد يقع على بعضهم قال الله ـ عزوجل ـ : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) (١) أراد بعض عباده ، وهم المؤمنون. وقال : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ) (٢) أراد بعض عباده ، وهم المؤمنون فكذلك قوله : «خلقت عبادي» أراد بعضهم لا كلّهم.
قال الشيخ : وذهب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي إلى أن قوله : «خلقت عبادي حنفاء» أراد به على الميثاق الأول (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ / عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٣).
٥٩٠ ـ أخبرنا بذلك أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول : سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول : قال إسحاق بن إبراهيم ، فذكره.
٥٩١ ـ أخبرنا الأستاذ أبو بكر بن فورك ـ رحمهالله ـ ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يونس بن حبيب ، نا أبو داود ، نا ابن أبي ذئب ،
__________________
(١) سورة الإنسان ، الآية رقم (٦).
(٢) سورة الزخرف ، الآية رقم (٦٨).
(٣) سورة الأعراف ، الآية رقم (١٧٢).