ولم يطل الأمر بمعبد حتى أخذه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بن الحكم (ت ٨٦ ه) فصلبه في هذه المقالة ، ثم قتله ، وكان ذلك بدمشق عام ثمانين من الهجرة ، وقيل : إنّما عذبه عذابا عظيما إثر خروجه مع ابن الأشعث.
وأيّا ما كان فإنّ المقالة لم تمت بموته ، إذ أخذها عنه غيلان بن مسلم (١) ، وكان قبل ذلك ممن عرف بالمجون ، ثم إنّه صار من أصحاب الحارث الكذاب المتنبي وخدم امرأته وزعم أنّها أم المؤمنين ، ثم تحول داعية إلى هذه المقالة!!
وبلغ الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أنّ غيلان يقول في القدر ؛ فبعث إليه فحجبه أياما ثم أدخله عليه فقال : يا غيلان! ما هذا الذي بلغني عنك؟!. فسكت ، فقال : هات فإنّك آمن فإن يك الذي تدعو الناس إليه حقا فأحق من دعا إليه الناس نحن. فتكلم فقال : إنّ الله لا يوصف إلّا بالعدل ولم يكلف نفسا إلّا ما آتاها ولم يكلف المسافر صلاة المقيم ، ولم يكلف الله المريض عمل الصحيح ، ولم يكلف الفقير مثل صدقة الغني ، ولم يكلف الله الناس إلّا ما جعل إليه السبيل وأعطاهم المشيئة فقال : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٢) وقال : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٣) فلمّا فرغ من كلام كثير قال له عمر : يا غيلان! إنك إن أقررت بالعلم خصمت وإن جحدته كفرت ، وإنّك إن تقرّ به فتخصم خير لك من أن تجحده فتكفر ، ثم قال له : أتقرأ ياسين؟ فقال : نعم ، قال : اقرأ. قال : فقرأ : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) إلى قوله : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٤) قال : قف. كيف ترى؟ قال : كأنّى لم أقرأ هذه الآية يا أمير المؤمنين قال : زد ، فقرأ : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
__________________
(١) انظر في ترجمته : «الضعفاء» للعقيلي (٣ / ٤٣٨) ، و «المجروحين» لابن حبان (٢ / ٢٠٠) ، و «ميزان الاعتدال» (٣ / ٣٣٨) ، و «لسان الميزان» (٤ / ٤٢٤) ، وقد استوعب أخباره ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (١٤ / ١٨١ ـ ١٩٣).
(٢) سورة الكهف ، الآية رقم (٢٩).
(٣) سورة فصلت ، الآية رقم (٤٠).
(٤) سورة يس ، الآية رقم (٧).