«قول القائل : هذا فعل هذا : لفظ فيه إجمال ، فإنه تارة يراد بالفعل نفس الفعل ، وتارة يراد به مسمى المصدر ، فيقول : فعلت هذا أفعله فعلا ، وعملت هذا أعمله عملا ، فإذا أريد بالعمل نفس العمل الذي هو مسمى المصدر كصلاة الإنسان وصيامه ونحو ذلك ، فالعمل هنا هو المعمول ، وقد اتحد هنا مسمى المصدر والفعل ، وإذا أريد بذلك ما يحصل بعمله كنساجة الثوب وبناء الدار ونحو ذلك ، فالعمل هنا غير المعمول ، قال تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) (١) فجعل هذه المصنوعات معمولة للجن ، ومن هذا الباب قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٢) أي والله خلقكم وخلق الأصنام التي تنحتونها ... والمقصود أن لفظ «الفعل» و «العمل» و «الصنع» أنواع وذلك كلفظ البناء والخياطة والتجارة تقع على نفس مسمى المصدر ، وعلى المفعول وكذلك لفظ «التلاوة» و «القراءة» و «الكلام» و «القول» يقع على نفس مسمى المصدر ، وعلى ما يحصل بذلك من نفس القرآن المقروء المتلو ، كما يراد بها مسمى المصدر.
والمقصود أن القائل إذا قائل : هذه التصرفات فعل الله أو فعل العبد ، فإن أراد بذلك أنها فعل الله بمعنى المصدر فهذا باطل باتفاق المسلمين ، وبصريح العقل ، ولكن من قال هي فعل الله وأراد به أنها مفعولة مخلوقة لله كسائر المخلوقات فهذا حق» ، ثم وضح المسألة فقال : «وأما من قال : خلق الرب تعالى لمخلوقاته ليس هو نفس مخلوقاته ، قال : إن أفعال العباد مخلوقة كسائر المخلوقات ، ومفعولة للرب كسائر المفعولات ، ولم يقل : إنها نفس فعل الرب وخلقه ، بل قال : إنها نفس فعل العبد ، وعلى هذا تزول الشبهة ، فإنه يقال : الكذب والظلم ونحو ذلك من القبائح يتصف بها من كانت فعلا له ، كما يفعلها العبد ، وتقوم به ، ولا يتصف بما خلقه في غيره من الطعوم والألوان
__________________
(١) سورة سبأ ، الآية رقم (١٣).
(٢) سورة الصافات ، الآية رقم (٩٦).