تحصيل العلم فيكون التهيؤ للوصول به الى التكاليف الواقعية وهذا عين الوجوب المقدمي وان اريد به الوجوب من حيث الإيجاب فهو نظير وجوب تحصيل العلم بالبلوغ والفرق بينه وبين الوجوب المقدمي ان المقدمي اصل وجوبه ناشئ من الغير بخلافه في الوجوب التهيئي إذ هو نفسي للغير لا وجوبه من الغير وقد عرفت مما ذكرنا ان اظهر الاحتمالات هو كونه للارشاد ، إذ هذه الاوامر ترشد الى حكم العقل اما من جهة ان الاحتمال منجز في نظر الشرع قبل الفحص ، واما من جهة احتمال وجود الواقع المنجز فحينئذ يدخل المقام تحت وجوب دفع الضرر المحتمل فلا تغفل.
ثم لا يخفى انه وقع في كلام بعض المتأخرين شرطان آخران للبراءة : الأول انه من شرط جريان البراءة ان لا يلزم من اجرائها اثبات حكم في موضوع آخر كالإناءين الذين علم اجمالا بنجاسة احدهما فانه إذا جرت اصالة الطهارة في احد الإناءين تثبت نجاسة الاناء الآخر.
اقول ان كل حكم شرعي اذا لوحظ مع حكم آخر فاما ان يكون بينهما ربط اولا. فان كان الاول بان يكون احدهما موضوعا والآخر محمولا ويكون احدهما شرطا للآخر فانه حينئذ لا بد من ثبوت احدهما بثبوت الآخر مثلا وجوب الحج منوط بعدم الدين فجريان البراءة في الدين موجب لايجاب الحج لأن الحج موضوعه عدم الدين ولو ظاهرا ولا يخفى ان الوجوب ليس من آثار عدم الدين الواقعي حتى يدخل في باب العلم الاجمالي بل هو شرط لعدمه ظاهرا على ما عرفت ذلك منا سابقا ، وان كان الثاني اي لم يكن بينهما ربط شرعا فاما ان يكون بينهما تلازم عقلا او عادة وعلى كل حال لا معنى للشرط المذكور.
بيان ذلك انه لا اشكال ولا ريب ان مفاد اصل البراءة هو حكم في ظرف الشك وجعل وظيفته فيه.