وأمّا لو لم يصر فعليّا لجهل المكلّف بالموضوع أو النسيان فالإتيان بالواجب المزاحم معه جائز ويصير مقرّبا وعباديّا ، لأنّه عدم فعلية التكليف بالنسبة الى الواجب يكون لأجل فعلية النهي وتغليب جانبه ، فلو لم يصر النهي فعليّا فيرتفع مزاحم الواجب ويصير الواجب فعليّا ، هذا كلّه في صورة تغليب جانب النهي.
وأمّا في صورة تغليب جانب الأمر فلا إشكال في حرمته لو أتى بالواجب في ضمن الحرام لسقوطه عن الفعليّة ولكن مع ذلك لو جهل بالواجب أو نسي فيصير النهي فعليّا ويلزم تركه ، لما قلنا من أنّ عدم فعليّته كان لأجل مزاحمته مع الواجب وتغليب جانب الأمر ، فإذا لم يصر الواجب فعليّا ترتفع المزاحمة فيصير النهي فعليّا ، فافهم.
إذا عرفت ما ذكرنا من المقدّمات نقول بأنّ الاستدلال على عدم جواز اجتماع الأمر والنهي يتوقّف على رسم امور :
الأوّل : أنّه لا إشكال في أنّ الأحكام الخمسة بأسرها متضادّة وبينها المغايرة والضدّية ، وهذا واضح لا إشكال فيه ، نعم قد أشكل بعض بهذا المطلب وقال : إنّه لا مضادّة بين الأحكام الخمسة ؛ لأنّ التضادّ يكون في الامور الحقيقية ، فإذا كان شيء من الامور الحقيقية ويكون شيء آخر منافيا ومغايرا له ، ولا يمكن جمعهما يكون بينهما الضدّية مثل الحرارة والبرودة ، فإنّهما حيث يكونان من الامور الحقيقية ولم يمكن اجتماعهما في محلّ واحد يكون النسبة بينهما هي الضدّية وكلّ ما لم يكن كذلك ـ أي لم يكن من الامور الحقيقية ـ فلا معنى لتصوير الضدّية فيه ، وما نحن فيه يكون كذلك حيث إنّ الحكم يكون من الامور الاعتبارية ، فإذا كان من الامور الاعتبارية فلم يكن بين كلّ من الأحكام ضدّية.
ولا يخفى عليك أنّ ما قاله فاسد جدا حيث إنّ ما قاله من أنّ التضادّ يكون في الامور الحقيقية ممّا لا إشكال فيه ولكن لم يكن مقصودنا هو التضادّ الاصطلاحي ،