وبهذا الاعتبار يستفاد الحكم في غير المورد من ظهور اللفظ ويكون الحكم في المورد كأنّه من باب الكناية ، فالحكم في المورد لا يكون إلّا من باب ذكر الفرد الناقص لإثبات حكم الفرد الكامل ، بل يمكن أن لا يكون مورد الحكم أصلا مورد الأمر أو النهي ، بل يكون لإثبات بيان فرد آخر مثلا في قوله : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) يمكن أن لا يكون الأفّ للأبوين أصلا مورد النهي ، بل يكون هذا كناية على أنّه لا يجوز ايذاؤهما مثلا.
وتارة يكون الحكم في الأدنى لإثبات حكم الأعلى مثل مثال الفوق ، حيث إنّه هنا يكون الحكم في الأفّ لإثبات المرتبة الأعلى وهو الايذاء مثلا ، وتارة يكون بالعكس مثل قوله تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) وفي هذه الآية يكون الحكم في المرتبة الأعلى لإثبات حكم الفرد النازل ، فبعد ما لم يقبل استغفارهم ولو كان سبعين مرّة فمعلوم أنّ استغفارهم مرّة واحدة لم يقبل بالطريق الأولى.
والحاصل أنّه في القسم الأوّل يكون ثبوت الحكم في غير مورد الحكم بالملازمة العقلية وفي الثاني يستفاد حكم غير المورد من ظهور اللفظ لا من باب حكم العقل بالملازمة ، ولعلّ هذا هو يكون الفرق بين التعريفين.
وفي المقام نقول بأنّه لو قلنا بكون المفهوم الموافق عبارة عن ثبوت الحكم في غير المورد بالملازمة العقلية. فعلى هذا يلزم تخصيص العام بالمفهوم ، لأنّه يكون محلّ الكلام في تخصيص العام بالمفهوم الموافق هو ما كان حكم المنطوق معلوما ، وأنّه لا يشمله العام قطعا. ولكن يكون النزاع في تخصيص العام بمفهومه ، وإلّا فخروج مورد الحكم عن العام يكون مسلّما. فعلى هذا بعد تسلّم خروج مورد المنطوق عن العام فلا إشكال في أنّه على التعريف الأوّل يكون ثبوت الحكم في غير مورد المنطوق ثابت بالملازمة القطعية ، فقهرا لا بدّ من الأخذ بالمفهوم وتخصيص العام.