ويجلسون إليه ـ بالقرآن الذي يتلوه عليهم ، وبالمواعظ والنذر التي يوجهها إليهم ، ويتحرج من ترك مجالستهم وإهمال إنذارهم ، فنزلت الآيات تسلية له ورفعا للحرج عنه وبيانا لمدى مهمته ومسؤوليته وإنذار للكفار في الوقت نفسه.
ومع أن الخطاب في الآية الأولى قد يكون منصرفا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بقرينة ضمير المخاطب المفرد فإن نص الآية الثانية يسوغ القول بأن الحظر الذي احتوته الآية الأولى ليس خاصا بالنبي صلىاللهعليهوسلم وإنما هو عام للمسلمين. وقد يكون من دعائم ذلك آية سورة النساء هذه : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) [١٤٠] حيث احتوت الآية إشارة إلى آيات الأنعام التي نحن في صددها.
ويلحظ أن النهي محدود بوقت الخوض وبمن يقترفونه ، وهو المتسق مع مهمة الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين التبشيرية.
ولقد تكررت الآيات المكية التي فيها إشارة إلى خوض الكفار والمشركين والمنافقين منها آية في سورة المدثر التي سبق تفسيرها (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) (٤٥) وآية في سورة الطور (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) (١٢) وآية في سورة الزخرف (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٨٣) وآية أخرى في سورة الأنعام ستأتي بعد قليل ، حيث يبدو من هذا أن ذلك كان من ديدنهم ومن جملة الصور التي كانوا يواجهون بها دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم وآيات القرآن ، مع التنبيه إلى أن آية النساء التي أوردناها قد نزلت بخاصة في خوض المنافقين على ما يتبادر من سياقها ، على ما سوف يشرح في مناسبته.
ولقد قال بعض المفسرين (١) إن آية النساء المذكورة قد نسخت هذه الآية ولسنا نرى في آية النساء نسخا بل نرى توكيدا. فآية الأنعام لم تسمح بالقعود مع
__________________
(١) انظر تفسير الخازن.