كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١)) [١١١]
(١) قبلا : عيانا أمامهم.
في الآية تقرير بأن الله لو أنزل الملائكة فرآهم المشركون جهرة وأحيا لهم الموتى فكلموهم ولبى كل ما يقترحون ويطلبون وجعله ماثلا أمامهم عيانا لما آمنوا إلّا أن يشاء الله إيمانهم وأن أكثرهم يجهل هذه الحقيقة ويتصرفون إزاءها تصرف الجهال.
والآية كما هو واضح متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب وإيضاح ، والمتبادر أنها بسبيل تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين وتثبيتهم وإقناعهم بعدم صدق رغبة المشركين وتصميمهم على المكابرة والجحود على أي حال.
ومع ما هو ظاهر من خصوصية الآية وصلتها بموقف مكابرة الكفار وهدفها من تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فإن بعض المفسرين وقفوا عند عبارة (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) وقالوا إنها تقرر أن المشيئة لله تعالى في كل حال وفي كل أمر. فهو الهادي وهو الضال (١). وقال فريق آخر (٢) إنها بمعنى «إلّا أن يجبرهم ويقسرهم على الإيمان» ونحن نرجح المعنى الثاني الذي انطوى في آيات أخرى بصراحة أكثر ، منها ما مرّ شرحه في هذه السورة وما قبلها. ولا يقتضي هذا ما يحتج به بعض علماء الكلام أن يقع من الكفار ما لا يشاء الله تعالى وإنما ينطوي فيه معنى أكدته آيات أخرى بصراحة أكثر مرّت أمثلة عديدة منها وهو أن حكمة الله وناموس خلقه اقتضيا أن يكون للناس حرية الاختيار والكسب وإرادتهما. وهذا من مشيئة الله الأزلية فليس هناك تعارض على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة وبخاصة في التعليق الذي علقناه على هذا الموضوع في سورة المدثر ويجب أن نذكر دائما آية سورة الزمر التي أوردناها آنفا فهي من الضوابط في هذا الموضوع وهي تنسب الكفر والشكر للناس.
__________________
(١) انظر تفسيرها في تفسير ابن كثير مثلا.
(٢) انظر المنار والزمخشري والطبرسي.