والآيات قوية نافذة في ما احتوته من تقرير وتثبيت وتحذير وتحدّ. وبنوع خاص الآية [١١٥] التي انطوت على بشرى وتطمين للنبي صلىاللهعليهوسلم بأن كلام الله الذي أنزل عليه صادق كل الصدق عادل كل العدل متحقق بحذافيره ولن يستطيع أحد أن يحدث فيه تبديلا.
والمصحف الذي اعتمدناه ذكر أن الآية [١١٤] مدينة ولم نطلع على ما يؤيد ذلك في كتب أخرى. والآية منسجمة مع الآيات التي تأتي بعدها كل الانسجام وليس هناك قرينة في السياق يمكن أن يؤيد ذلك. وروح الآية وفحواها يفيدان أنها جاءت كردّ على الكفار موضوع الكلام السابق. والمفسرون يعزون كل آية فيها إيمان أهل الكتاب وتصديقهم إلى يهود المدينة ولعل الرواية جاءت من هذه الناحية غير أن هذا غير مسلم به على إطلاقه ، وهناك آيات لا خلاف في مكيتها تذكر ذلك مثل آيات الإسراء [١٠٧ و ١٠٨] وهناك روايات تكاد تكون يقينية أن أهل الكتاب في مكة أو فريق منهم على الأقل كانوا آمنوا وصدقوا في مكة ومنهم صهيب الرومي الصحابي الجليل.
وصلة الآيات بالسياق السابق واللاحق ملموحة بقوة بحيث يمكن أن تكون من جهة قد جاءت بعد الآيات السابقة للتدعيم والتعقيب. ومن جهة جاءت لتكون مقدمة للآيات اللاحقة في الوقت نفسه ، والله تعالى أعلم.
وفحوى الآية [١١٤] قوي في تثبيته وتدعيمه والمتبادر منه أن ما ذكر فيها ليس تقريرا لواقع معلوم وحسب بل هو مستند إلى موقف إيماني وتصديقي من أهل الكتاب حيث ينطوي في ذلك شهادة عيانية جديدة لأعلام النبوة المحمدية. وصدق القرآن وصلته بالله تعالى من الفريق الذي تغلب الحق فيه على الباطل والرغبة في الإذعان للحق على المكابرة والهوى تضاف إلى شهادات عديدة أخرى مرّت أمثلة منها في سور سبق تفسيرها مثل الأعراف والقصص والإسراء.
(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا