بالفتح من الضلال وبالضمّ من الإضلال. ومقامها يحتمل القراءتين وإن كنا نرجح الفتح. وعلى كل حال فإن فيها تنديدا بكل من يرتكس في الضلال متأثرا بهواه وهوى الآخرين بدون علم وبرهان. وبكل من يضل الناس بهواه بدون علم وبرهان كذلك معتديا ومتجاوزا لحدود الحق والصدق إلى الباطل والحلال إلى الحرام واليقين إلى الشبهات. مما يمكن أن يشمل كل شأن من شؤون الدين والدنيا. وفي هذا ما فيه من تلقين جليل مستمر المدى بوجوب عدم تنطع أحد من المسلمين للكلام والدعوة والوعظ والإيعاز والفتيا مندفعا بالهوى متجاوزا حدود الحق والصدق غير مستند إلى علم وبرهان ، وبوجوب تثبت المسلم في كل قول يسمعه ورأي يلقى إليه أو عمل يوعز به إليه أو مذهب يزين له. فلا يأخذ من ذلك إلّا ما برىء من الهوى وقام على صحته وسلامته وحقه وصدقه علم وبرهان.
وفي القرآن آيات كثيرة مكية ومدنية فيها تنديد بمن يتبع الهوى ويأمر به ويتخذه إلهه دون الحق والصدق ويفتري على الله ورسوله فيقول هذا حلال وهذا حرام. وهذا يجوز وهذا لا يجوز وهذا حق وصواب وهذا باطل بدون علم وبرهان. مما مرّ منه أمثلة عديدة حيث يدل هذا على ما أعارته حكمة التنزيل لهذا الأمر من اهتمام وعناية.
ولقد روى مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» (١). وحديث رواه أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه» (٢) ، وحديث رواه الشيخان والترمذي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم
__________________
(١) التاج ج ١ ص ٦٣ و ٦٤ و ٦٥.
(٢) المصدر نفسه.