عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)) حيث يفيد هذا أن مثل هذا القول الذي حكته الآيات قد صدر من زعماء المشركين أكثر من مرة وبأساليب مختلفة. غير أننا نلحظ أن الآيات هنا جاءت بأسلوب مطلق وتقريري ومعطوفة على ما قبلها حيث يلهم هذا أنها استمرار في السياق وفي صدد الإشارة إلى زعماء المشركين وكبار مجرمي مكة الذين تولوا كبر المعارضة والتعطيل للرسالة النبوية بصورة عامة ، وفي صدد وصف شدة مكابرتهم وعنادهم. وإن كان هذا لا يمنع أن كان بعضهم حينما كان النبي صلىاللهعليهوسلم يخبر بوحي الله إليه وبصلته به وبما يراه من تجليات ربانية ويتلو آيات القرآن يتخذ ذلك وسيلة إلى العناد والمكابرة والتعجيز حسدا ومنافسة ويعلن أنه لن يصدق ما لم يدرك هذا بنفسه وتقوم عليه الدلائل في ذاته. وعلى كل حال ففي الآيات صورة جديدة من صور الحجاج واللجاج والتحدي بين النبي صلىاللهعليهوسلم وزعماء المشركين.
وفي أسلوبها المطلق تلقينات مستمرة المدى ، ففيها تنديد بذوي الزعامة والوجاهة الذين يقفون من الدعوة إلى الخير والإصلاح وأصحابها موقف اللجاج والتعطيل والصد والتعجيز استكبارا وحسدا وغيظا ، وفيها تثبيت لأصحاب مثل هذه الدعوة وتشجيع لهم بتقرير كون مكر الماكرين الصادين المعطلين حائقا بهم وحدهم. وفيها تنبيه إلى مسؤولية الزعماء وما ترتكس فيه أممهم من الآثام والانحراف بسبب مكرهم وإجرامهم وعنادهم ومكابرتهم لأنهم القدوة والأسوة. ولعله مما ينطوي فيها التحريض على التمرد على مثل هؤلاء الذين يحاولون إبقاء أممهم في نطاق مصالحهم ومآربهم ، فهم مجرمون ماكرون ولا ينبغي الرضوخ لهم والسير في فلكهم.
وفي جملة (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ردّ مفحم حاسم من جهة ، وتنويه بالغ بقدر النبي صلىاللهعليهوسلم وخصائصه من جهة أخرى. فمرتبة النبوة من أعظم المراتب التي لا يوصل إليها إلّا بأعظم الخصائص الروحية والعقلية. والذين يختارهم الله تعالى لرسالته وتجلياته تكون هذه الخصائص قد بلغت فيهم إلى