بحل كل ما هو طيب وليس فيه معصية ولا خبث ولا نجاسة من المأكولات عامة. ومثل هذا يقال بالنسبة إلى استثناء حالة الاضطرار التي يسمح فيها للمضطر عدم الالتزام بذلك وشرط أن لا يكون في ذلك تحايل ولا تجاوز للضرورة. وفي كل هذا ما فيه من ترشيح الشريعة الإسلامية للخلود والشمول ، وهذه المبادئ مما تكرر تقريره في القرآن في مناسبات عديدة مرّ بعضها في السور التي سبق تفسيرها وبخاصة في سورة الأعراف.
ويلحظ أن الآية وصفت الدم المحرم بالمسفوح أي السائل بحيث يقال إن هذا هو الأمر المستقر. ولقد روى البغوي عن ابن عباس وغيره أن المسلمين في الصدر الأول كانوا يرون الدم العالق باللحم والمخ والعظم والعروق خارجا عن نطاق التحريم لأنه غير سائل ويرون التحريم منحصرا في ما خرج من الأوداج سائلا في حالة حياة الحيوان ، حيث كان العرب يفصدون الحيوان ، وهو حي ويطبخون دمه. ولقد أورد المفسرون أحاديث نبوية عديدة في صدد حالة الاضطرار المذكورة في الآية ، منها حديث رواه الطبري بطرقه عن أبي واقد الليثي قال : «قلنا يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا فيها مخمصة فما يصلح لنا من الميتة؟ قال : إذا لم تصطبحوا أو تغتدوا أو تحتفؤوا بقلا فشأنكم بها». وروى حديثا آخر عن الحسن جاء فيه : «سأل رجل النبي صلىاللهعليهوسلم إلى متى يحل لي الحرام قال إلى أن يروى أهلك من اللبن أو تجيء ميرتهم». وروى حديثا ثالثا عن مروة جاء فيه : «سأل رجل النبي صلىاللهعليهوسلم في الذي حرم الله عليه وأحله له. فقال : يحل لك الطيبات ويحرم عليك الخبائث. إلا أن تفتقر إلى طعام فتأكل منه حتى تستغني عنه. فقال رجل : وما فقري الذي يحلّ لي وما غناي الذي يغنيني عنه؟ فقال : إذا كنت لا ترجو غناء تطلبه فتبلغ من ذلك شيئا فاطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه. فقال أعرابي : وما غناي الذي أدعه إذا وجدته فقال : إذا أرويت أهلك غبوقا من الليل فاجتنب ما حرّم الله».
ولقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث في السياق نفسه وعزا أولها إلى الإمام أحمد وأورد بالإضافة إليها حديثا رواه إلى أبي داود جاء فيه : «إن ناقة ضلت لرجل