هذا ، وننبه على صيغة الآية [١٤٧] حيث قد يتبادر إلى الوهم منها أن هناك شكا في عدد قوم يونس مما لا يجوز على الله تعالى فنقول إنه أسلوب مألوف من الأساليب الخطابية والأساليب القرآنية. وهو ما ظللنا نعبر عنه بجملة (التعبير الأسلوبي) والقصد من التعبير هو التنويه بكثرة عدد الذين أرسل إليهم وآمنوا كما هو المتبادر.
والمناسبة قائمة لإيراد حديث رواه البخاري والتعليق عليه حيث روى عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب» (١). وقد أوضح الشراح أن القصد هو النهي عن تفضيل نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم على يونس عليهالسلام. ولقد روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «فضّلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلّت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون» (٢). هذا بالإضافة إلى أن القرآن يذكر بصراحة أن الله فضل بعض النبيين على بعض كما جاء في الآية [٥٥] من سورة الإسراء التي سبق تفسيرها وفي آية [٢٥٣] من سورة البقرة : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) وشراح حديث الترمذي يقولون إما أن يكون هذا الحديث قد صدر من النبي صلىاللهعليهوسلم قبل أن يعلم أنه فضل على النبيين وإما أن يكون من قبيل التواضع وتعليم المسلمين لواجب احترام جميع أنبياء الله ، والله أعلم.
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦)
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ١٩٥ و ١٩٦.
(٢) التاج ج ١ ص ٢٠٥.