جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)) [٣٣ ـ ٣٤]
(١) لا يجزي : بمعنى لا ينوب ولا يسد.
في الآية الأولى هتاف بالناس ودعوة لهم إلى تقوى الله والخوف من يوم القيامة ، حيث لا يسد فيه والد مسد ولد ، ولا ولد مسد والد ، وحيث يكون كل امرئ مسؤولا عن عمله ومشغولا بنفسه عن غيره ، وإن كان أقرب الناس إليه وألصقهم به ، وتوكيد لهم بأن وعد الله هذا حق ، وتحذير لهم من الاغترار بالحياة الدنيا والاستماع إلى وساوس الشيطان وإغراءاته.
وفي الثانية تقرير بأن علم موعد يوم القيامة هو عند الله الذي ينزل الغيث ، ويعلم ما تحمل الأرحام ، وبأنه ليس من أحد يستطيع أن يعرف ماذا يفعل غدا وماذا يكسب ، وفي أي أرض يموت ، فالله وحده هو العليم بكل شيء ، الخبير بحقائق الأمور وسيرها ونتائجها.
ولقد روى الطبري (١) أن الآية الأخيرة نزلت في مناسبة سؤال رجل النبي صلىاللهعليهوسلم قائلا : «إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد ، وبلادنا محل جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث ، وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت. فأنزل الله (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) إلى آخر الآية». وروى البغوي أنها نزلت في الحارث بن عمرو من أهل البادية الذي جاء إلى النبي فسأله هذه الأسئلة. وروح الآيتين تلهم وجود ترابط قوي بينهما أولا وبينهما وبين الآيات السابقة لهما ثانيا. وتلهم كون الآية الثانية جاءت لتدعيم ما احتوته الآية الأولى من إنذار وتحذير ، هذا فضلا عن تساوق الفاصلة في الآيتين وتساوقها كذلك في الآيات السابقة. وكل هذا يجعلنا نرى أن
__________________
(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والبغوي.