أما الآيات التالية فقد احتوت تقريرات عن مشاهدة قدرة الله ونعمه على السامعين. وعباراتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد انتهت بتقرير كون ذلك مما يوجب ذكر نعمة الله وحمده على ما يسرّه للسامعين من وسائل الاعتراف به وإنابتهم إليه.
وضمير الجمع المخاطب والجمع الغائب في الآيات عائد إلى الكفار على ما يفيده فحواها. وهي والحالة هذه متصلة بسابقاتها في صدد محاججة الكفار وإفحامهم كما أنها تمهيد لما في الآيات التالية لها ، وهذا مما جرى عليه أسلوب النظم القرآني.
والجواب في الآية الأولى حكاية مفروضة على لسان الكفار ، وأسلوبها يلهم أن جواب الكفار لن يكون إلّا إيجابا ، فهم لا ينكرون الله تعالى وإنما يشركون معه غيره للاستشفاع والزلفى ويعترفون أنه الخالق الرازق المدبر المتصرف في الكون النافع الضار وحده. ويدعونه وحده في الشدائد والأخطار على ما حكته آيات عديدة مرّت أمثلة منها ، ومن هنا جاء الإفحام والإلزام.
ولقد روى البغوي بطرقه عن علي بن أبي ربيعة أنه : «شهد عليا رضي الله عنه حين ركب فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله فلما استوى قال الحمد لله ثم قال سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون ، ثم حمد ثلاثا وكبّر ثلاثا ثم قال : لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي فإنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك فقيل له : ما يضحكك يا أمير المؤمنين؟ قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعل مثل ما فعلت وقال مثل ما قلت ثم ضحك فقلنا ما يضحكك يا نبيّ الله؟ قال : عجبت للعبد إذا قال لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلّا أنت يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلّا هو» (١). وأورد ابن كثير حديثا عن
__________________
(١) أورد ابن كثير هذا الحديث أيضا عن الإمام أحمد بفرق مهم وهو : «يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال ربّ اغفر لي ويقول علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري» وقال الترمذي والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.