بعدم إجابتهم إلى التحدي الذي كان الكفار يتحدون به النبي صلىاللهعليهوسلم بالإتيان بالمعجزات للبرهنة على صحة رسالته وصلتها وصلة القرآن بالله عزوجل على ما شرحناه في سياق تفسير سورة المدثر ؛ لأن طلبهم الإتيان بآبائهم هو معجزة يطلبونها بأسلوب التحدي فلم تقتض مشيئة الله إجابتهم عليها مع دخولها في نطاق قدرته كما كان الشأن في مواقف تحديهم المتكررة.
(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢)) [٤٠ ـ ٤٢]
(١) مولى : بمعنى ولي وحليف ونصير.
الآيات متصلة بسابقاتها اتصال تعقيب وتدعيم ، فيوم الفصل والقضاء الأخروي هو موعد الناس جميعا الأولين منهم والآخرين. ولن ينفع فيه ولي وليا وحليف حليفا. ولن ينجو من هوله وشره إلّا من رحمهالله القوي وحده ، الناصر وحده ، الرحيم وحده ، في أي ظرف يستدعي القوة والنصر والرحمة.
وواضح أن الآيات ردّ على الذين تحدوا النبي صلىاللهعليهوسلم بالإتيان بآبائهم ، وقد استهدفت فيما استهدفته إنذارهم وإثارة اليأس فيهم من أي نصير وحليف يوم القيامة لحملهم على الارعواء وتطمين المؤمنين بأنهم سيكونون مظهر رحمة الله تعالى.
ومن المفسرين من قال في تخريج الاستثناء في جملة : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) إنها تعني نفع وغناء الشفيع الذي يكون قد نال رحمة الله ورضاءه (١). ومنهم من قال إنها تعني أن النفع والغناء إنما هما رحمة الله وحسب (٢). وقد تبادر
__________________
(١) انظر الطبري والبغوي.
(٢) انظر ابن كثير.