الجملة أن إضلال الله له إنما كان بسبب نيته الخبيثة من قبيل (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم : ٢٧](وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [البقرة : ٢٦] على ما نبهنا عليه في المناسبات السابقة.
وقد توهم الآية أن فيها تأييسا للنبي صلىاللهعليهوسلم من الكفار بسبب موقف المكابرة والعناد المتعمد ، ولسنا نرى محلا لذلك التوهم. فالآيات ظلت تتوالى على النبي صلىاللهعليهوسلم بالأمر بالاستمرار في الدعوة والتذكير والإنذار رغم استمرار الكفار في عنادهم ومكابرتهم. والاستمرار في ذلك هو مهمة الرسالة العظمى التي حملها النبي صلىاللهعليهوسلم من حيث المبدأ والأصل. وهذا لا يمنع أن تكون انطوت على تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم وتطمينه وتثبيته كما هو شأن كثير من الآيات المماثلة أو المقاربة ، بل إن ذلك هدف رئيسي من أهدافها فيما هو المتبادر.
والآية في حدّ ذاتها تضمنت تلقينا مستمر المدى بالتنديد بكل مكابر جاحد للحق والحقيقة أو محرّف لهما أو منحرف عنهما لا سيما إذا كان صادرا في ذلك عن هوى في النفس ومرض في القلب وخبث في الطوية وعن عمد وتصميم. وهذه صورة موجودة في كل ظرف ومكان.
هذا ، والتأويل الذي أوّلنا به الآية والمستلهم من مضمونها وروحها ومضمون وروح الآيات والسياق عامة يزيل ما يمكن أن يرد من وهم بكون تعبير (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) هو بمعنى تحتيم الضلال على الضال أو تأبيده ، وإنما هو في صدد تصوير شدة عناد الكفار وتصاممهم عن عمد وتصميم ، وفي صدد تقرير كون إضلال الله إنما ترتب على ذلك ، مع استدراك استدركناه في مناسبات سابقة وهو أن ذلك كله هو بسبيل تسجيل واقع أمر الكفار حين نزولها ، وأن التأبيد فيه قاصر على الذين يستمرون فيه حتى الموت.
(وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ.