ومذهب وتاريخ. فإن القصد من العبارة بيان الأشياء التي يجب معرفتها والإحاطة بها ، أو بأن القصد منها وجود إشارات أو أساس لكل شيء بقطع النظر عن التفاصيل والجزئيات.
وهذه الأقوال والتأويلات اجتهادية وتطبيقية ، وليس هناك شيء فيما اطلعنا عليه ثابت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا عن أصحابه في تأويل الجملة. ويلحظ أنها ليست مستقلة عن ما قبلها وعن ما بعدها بحيث يسوغ القول إنها في صدد ما جاء في الآية من تقرير كون الله جمع الحيوانات من بشر ودواب وطيور صنوفا وكون مردهم وحشرهم إليه وكون علم الله محيطا بهم أن أي تفريط بشيء من أحوالهم وأمورهم. وهذا يتسق من حيث الإطلاق بالقول الثاني أيضا. وسيأتي بعد قليل في هذه السورة آية تدعم هذا وهي الآية [٥٩] وقد ورد في سور سبق تفسيرها آيات فيها هذا الدعم وهي آيات النمل [٧٥] ويونس [٧٥] وهود [٦] وما ذكرته هود بخاصة تكاد تكون في عبارتها مثل الآية التي نحن في صددها وهناك آيات أخرى من باب ذلك في سور أخرى لم يسبق تفسيرها أيضا.
وفي كل ما تقدم نفي لكون (الكتاب) في الجملة قد عنى (القرآن) ورد على من يقتطع الجملة من الآية من مسلمين وغير مسلمين ويأخذها كعبارة مستقلة عن ما قبلها وبعدها وكونها عنت (القرآن) وعلى من يدلل من المسلمين من هؤلاء بها على أن القرآن احتوى كل شيء ويحاول محاولات فيها كثير من التمحل والمجازفة بسبيل إثبات ذلك في حين ينتقد غير المسلمين من هؤلاء القرآن على ضوء ما يقوله أولئك المسلمون من حيث إن القرآن لا يحتوي على كل شيء.
وعلى كل حال فالذي يتبادر لنا أن الآيات التي جاءت فيها العبارات الثلاث هي في صدد تقرير شمول علم الله تعالى وقدرته وحكمته وتدبيره وإحاطته للتدليل على أن الذي له هذا الشمول لا يعجز عن إنزال آية يتحداه بها حفنة من خلقه ، وأن الأولى هو الوقوف عند هذا الحد في صدد مدى النصّ القرآني. والله تعالى أعلم.