ولقد اجاد بعض اعاظم المعاصرين (١) فى بيان هذا المعنى بان الاختيار من
______________________________________________________
(١) قال المحقق النائينى فى الفوائد ، ج ١ ، ص ١٣٢ ، بل لا يمكن دفع الشبهة الجبر إلّا بذلك بداهة انه لو كانت الافعال الخارجية معلولة للارادة لكان اللازم وقوع الفعل من فاعله بلا اختيار بل يقع الفعل قهرا عليه اذ الارادة كما عرفت كيفية نفسانية تحدث فى النفس قهرا بعد تحقق مباديها وعللها ، كما ان مبادى الارادة ايضا تحصل للنفس قهرا لان التصور امر قهرى للنفس وهو يستتبع التصديق استتباع العلة لمعلولها وهو يستتبع العزم والارادة كذلك استتباع العلة لمعلولها والمفروض انها تستتبع الفعل الخارجى كذلك فجميع سلسلة العلل والمعلولات انما تحصل فى النفس عن غير اختيار ومجرد سبق الارادة لا يكفى فى اختيارية الفعل ـ والحاصل انه لو كانت الافعال معلولة للارادة وكانت الارادة معلولة لمباديها السابقة ولم يكن بعد الارادة فعل من النفس وقصد نفسانى لكانت شبهة الجبر مما لا دافع لها وليس ذلك إلّا لانكار التغاير بين الطلب والارادة وحسبان انه ليس وراء الارادة شيء يكون هو المناط فى اختيارية الفعل ، واما بناء على ما اخترناه من ان وراء الارادة والشوق المؤكد امرا آخر وهو عبارة عن تصدى النفس نحو المطلوب وحملتها اليه فيكون ذلك التصدى النفسانى هو مناط الاختيار وليس نسبة الطلب والتصدى الى الارادة نسبة المعلول الى علته حتى يعود المحذور بل النفس هى بنفسها تتصدى نحو المطلوب من دون ان يكون لتصدّيها علة تحملها عليه نعم الارادة بمالها من المبادى تكون من المرجحات لطلب النفس وتصديها فللنفس بعد تحقق الارادة بمالها من المبادى التصدى نحو الفعل كما ان لها عدم التصدى والكف عن الشيء وليس لحصول الشوق المؤكد فى النفس علة تامة لتصدى النفس بحيث ليس لها بعد حصول ذلك الكيف النفسانى الامتناع عن الفعل كما هو مقالة الجبرية بل غايته ان الشوق المؤكد يكون من المرجحات لتصدى النفس ولا يخفى الفرق بين المرجح والعلة انتهى وقال فى الاجود ، ص ٩١ ، فان قالت ان الامر الرابع الذى بنيت عليه ثبوت الامر بين الامرين ونفى الجبر وجعلته متوسطا بين الارادة وحركة العضلات هل هو ممكن او واجب لا سبيل الى الثانى وعلى الاول فهل علته التامة اختيارية او غير اختيارية وعلى الاول يلزم التسلسل وعلى الثانى يتم مذهب الجبر ، قلنا لا اشكال فى كونه حادثا وممكنا إلّا انه نفس الاختيار الذى هو فعل النفس وهى بذاتها تؤثر فى وجوده فلا يحتاج الى علة موجبة لا ينفك عنها اثرها اذا