الدّهر ، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش (١)!
فما خلقت ليشغلني أكل الطّيّبات ، كالبهيمة المربوطة ، همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها (٢) ، تكترش من أعلافها ، وتلهو عمّا يراد بها ، أو أترك سدى ، أو أهمل عابثا ، أو أجرّ حبل الضّلالة ، أو أعتسف طريق المتاهة (٣)!
وكأنّي بقائلكم يقول : « إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب ، فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران ومنازلة الشّجعان ».
ألا وإنّ الشّجرة البرّيّة أصلب عودا ، والرّوائع الخضرة أرقّ جلودا ، والنّابتات البدويّة أقوى وقودا ، وأبطأ خمودا.
وأنا من رسول الله كالصّنو من الصّنو (٤) ، والذّراع من العضد.
والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها ، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وسأجهد في أن أطهّر الأرض من هذا الشّخص المعكوس ، والجسم المركوس (٥) حتّى تخرج المدرة (٦) من بين حبّ الحصيد.
ومن هذا الكتاب ، وهو آخره :
__________________
(١) جشوبة العيش : غلظته وخشونته.
(٢) تقممها : المراد بها القمامة ، أي الكناسة.
(٣) المتاهة : الحيرة والهلكة.
(٤) الصنو من الصنو : المراد به شدّة اتّصاله بالنبيّ كالنخلتين اللتين يجمعهما أصل واحد.
(٥) الجسم المركوس : أراد به معاوية بن هند.
(٦) المدرة : القطعة من الطين اليابس.