إليك عنّي يا دنيا! فحبلك على غاربك (١) ، قد انسللت من مخالبك (٢) وأفلتّ من حبائلك ، واجتنبت الذّهاب في مداحضك.
أين القرون الّذين غررتهم بمداعبك!
أين الأمم الّذين فتنتهم بزخارفك!
فها هم رهائن القبور ، ومضامين اللّحود.
والله! لو كنت شخصا مرئيّا ، وقالبا حسّيّا ، لأقمت عليك حدود الله في عباد غررتهم بالأماني ، وأمم ألقيتهم في المهاوي ، وملوك أسلمتهم إلى التّلف ، وأوردتهم موارد البلاء ، إذ لا ورد ولا صدر (٣)!
هيهات! من وطئ دحضك زلق ، ومن ركب لججك غرق ، ومن ازورّ (٤) عن حبائلك وفّق ، والسّالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه ، والدّنيا عنده كيوم حان انسلاخه (٥).
اعزبي عنّي! فو الله! لا أذلّ لك فتستذلّيني ، ولا أسلس (٦) لك فتقوديني.
وايم الله! يمينا أستثني فيها بمشيئة الله لأروضنّ نفسي رياضة تهشّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما ، وتقنع بالملح مأدوما ؛ ولأدعنّ
__________________
(١) الغارب : الكاهل وما بين السنام والعنق.
(٢) جمع مخلب : وهو أظفار السبع.
(٣) الورد : ورود الماء. الصدر : الانتهاء من شرب الماء.
(٤) ازورّ : مال.
(٥) الانسلاخ : الزوال.
(٦) أسلس : أي انقاد.