انتزعوه تراثه وحقّه في ميدان الصراع المسلّح ، وذلك خشية على الإسلام من أن تشيع فيه الردّة ، وينقلب المسلمون على أعقابهم فصبر على ضياع حقّه وفي العين قذى وفي الحلق شجى ـ كما يقول في خطبته الشقشقية ـ ، ومن بنود هذه الرسالة قوله :
إنّي والله! لو لقيتهم واحدا وهم طلاع الأرض كلّها ما باليت ولا استوحشت ، وإنّي من ضلالهم الّذي هم فيه والهدى الّذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربّي. وإنّي إلى لقاء الله لمشتاق ، وحسن ثوابه لمنتظر راج ؛ ولكنّني آسى أن يلي أمر هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها ، فيتّخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا ، والصّالحين حربا ، والفاسقين حزبا ، فإنّ منهم الّذي قد شرب فيكم الحرام (١) ، وجلد حدّا في الإسلام ، وإنّ منهم من لم يسلم حتّى رضخت له على الإسلام الرّضائخ (٢).
فلو لا ذلك ما أكثرت تأليبكم (٣) ، وتأنيبكم ، وجمعكم ، وتحريضكم ، ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم.
ألا ترون إلى أطرافكم قد انتقصت ، وإلى أمصاركم قد افتتحت ، وإلى ممالككم تزوى ، وإلى بلادكم تغزى! انفروا ـ رحمكم الله ـ إلى قتال عدوّكم ، ولا تثّاقلوا إلى الأرض فتقرّوا
__________________
(١) الحرام : وهو الخمر ، وقد شربها علنا عتبة بن أبي سفيان ، وحدّ خالد بن عبد الله في الطائف.
(٢) الرضائخ : العطايا ، ويشير بذلك إلى عمرو بن العاص فإنّه لم يسلم حتى أعطاه النبيّ.
(٣) التأليب : التحريض.