وفرّ محمّد ، ولم يجد ركنا شديدا يأوي إليه ، فالتجأ إلى خربة فأقام فيها ، وخرج ابن حديج في طلبه ، فأخبره بعض علوج المصريّين أنّه في الخربة فهجم عليه ، وألقى عليه القبض ، وقد بلغ منه العطش مبلغا عظيما ، فطلب الماء فردّ عليه السفّاك الأثيم ابن خديج قائلا :
لا سقاني الله إن سقيتك قطرة ، إنّكم منعتم عثمان الماء ، ثمّ قتلتموه وكان صائما ، والله! لأقتلنّك يا ابن أبي بكر فيسقيك الله الجحيم ...
وتمثّلت الروح الأموية القذرة التي تحمل طبيعة وخسّة الأشرار بهذا الإنسان الممسوخ الذي منع الماء عن أسير عنده ، والتفت إليه البطل قائلا :
يا ابن اليهودية النسّاجة! ... أما والله! لو كان سيفي بيدي ما بلغتم بي هذا.
والتفت ابن خديج إلى محمّد قائلا :
أتدري ما أصنع بك ، ادخلك في جوف حمار ثمّ أحرقه عليك بالنار.
وأجابه البطل المؤمن :
إن فعلتم ذلك بي فطالما فعلتموه بأولياء الله.
وطال الجدل بينهما فانبرى ابن خديج فانفذ فيه حكم الاعدام وألقى جسده الطاهر في جيفة حمار ميّت وأحرقه بالنار بعد أن احتزّ رأسه الشريف ، وأرسله هدية إلى ابن آكلة الأكباد سيّده معاوية ، وهو أوّل رأس طيف به في الإسلام (١).
وانتهت بذلك حياة هذا المجاهد الكبير الذي وهب حياته لله تعالى ، وقد خسر المسلمون بوفاته علما من أعلام العقيدة والجهاد.
ولمّا انتهى الخبر المؤلم بشهادة محمّد إلى الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام بلغ به
__________________
(١) النجوم الزاهرة ١ : ١١٠.