رضى الله عنها ـ من كل ما افتراه عليها المفترون ، جاء قوله ـ سبحانه ـ (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
أى : أولئك ، الطيبون والطيبات ، وعلى رأسهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأهل بيته. وعلى رأس أهل بيته عائشة ـ رضى الله عنها ـ مبرءون مما يقولون أى : مما يقوله الخبيثون والخبيثات في شأنهم.
وأولئك الطيبون والطيبات «لهم مغفرة» عظيمة من الله ـ تعالى ـ ولهم «رزق كريم» هو جنة عرضها السموات والأرض ، جزاء إيمانهم وعملهم الصالح وصبرهم على الأذى.
هذا هو حديث القرآن عن حديث الإفك ، الذي أشاعه الفاسقون عن السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ وكان مقصدهم الأكبر من وراء ذلك هو الطعن في نبوة الرسول صلىاللهعليهوسلم.
ولكن الله ـ تعالى ـ رد عليهم بما يكبتهم ويخرس ألسنتهم.
هذا ، ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة جملة من الأحكام والآداب من أهمها ما يأتى :
١ ـ غيرة الله ـ تعالى ـ على حرمة نبيه صلىاللهعليهوسلم ودفاعه ـ سبحانه ـ عن أوليائه ، ورده لكيد المنافقين في نحورهم.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات : «هذه الآيات نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين ـ رضى الله عنها ـ حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين. بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار الله ـ تعالى ـ لها ولنبيه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فأنزل الله ـ سبحانه ـ براءتها ، صيانة لعرض الرسول صلىاللهعليهوسلم» (١).
٢ ـ تسلية الله ـ تعالى ـ لعباده المؤمنين ، عما أصابهم من هم وغم بسبب هذا الحديث المفترى على الصديقة بنت الصديق ـ رضى الله عنهما ـ ، وقد ظل هذا الحديث يتردد في جنبات المدينة ، حتى نزلت هذه الآيات الكريمة ، لإحقاق الحق وإبطال الباطل.
ومن مظاهر هذه التسلية قوله ـ تعالى ـ (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.).
قال صاحب الكشاف : ومعنى كونه خيرا لهم أنهم اكتسبوا فيه الثواب العظيم ، لأنه كان بلاء .. ومحنة ظاهرة. وأنه نزلت فيه ثماني عشرة آية ، كل واحدة منها مستقلة ، بما هو تعظيم لشأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتسلية له. وتنزيه لأم المؤمنين ـ رضوان الله عليها ـ وتطهير لأهل البيت. وتهويل لمن تكلم في ذلك ، أو سمع به فلم تمجه أذناه ، وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة. وفوائد دينية وأحكام وآداب لا تخفى على متأمليها» (٢).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١٧.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢١٧.